عاشوراء هي المحطة الاخيرة لثورة استمرت عقدين من الزمن, حيث كانت البداية في صلح الامام الحسن عليه السلام, وهنا قد يولد تعارض؟! فكيف يكون الصلح احدى مراحل الثورة؟ وحل ذلك يكمن في معرفة مفهوم الاصلاح الذي كان شعار الثورة الحسينية المباركة (لم اخرج اشرا ولا بطرا ولكن خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي).
فالاصلاح يقوم على ثلاث اسس, اولها امتلاك المصلح للقيم الحقة, والثاني كشف الواقع المنحرف واخرها استنهاض الامة بشتى الوسائل, لتقوم بدورها في مقاومة الانحراف الذي تعيشه, ولا يشك احد ان اهل البيت قد ورثوا ما جاء به الرسول الاعظم من علم, واخلاق, وطرق مثلى للسير بالامة نحو تكاملها, ولكن انحراف الواقع الاسلامي بعد وفاة رسول الله, ادى الى اقصائهم عن مواقعهم التي اختارها الله لهم, حتى وصل الامر الى ان تكون خلافة الرسول الكريم عبارة عن ملك بيد معاوية على شاكلة قيصر او كسرى, والذي كان داهية في استخدم سياسة التضليل, والتجهيل, والاسكات بالقوى الناعمة والخشنة.
كان معاوية رغم انحرافه الكبير لا يجاهر بمخالفة ظواهر الاسلام, من صلاة, وحج ولم يكن ساذجا بحيث يستثير المسلمين, وقد سعى الى بث الجهل في المجتمع, ليكون بمنأى عن محاسبتهم, كما اسكت خصومة بالمال تارة وبالسيف اخرى, فهو يريد بناء واقع في الحكم, وادارة الدولة, يقوم على اساس الملك الذي لايخضع لاي ضابطة سوى ارادة الملك الاموي, فكسر هيمنة هذا الواقع المضلل يتطلب من أي مصلح إجراءات تبين للامة حقيقة حكامهم الفاسدين, ولأن الناس كانوا تحت سطوة تلك السياسات الشيطانية, فأي ثورة مع قلة الناصر لها, ستؤول على انها منازعة في رداء الملك.
ضمن الامام الحسن عليه السلام في صلحه شروطا, كان يعلم ان معاوية سيخالفها ولكنه يريد ان يأخذ منه اقرارا امام الامة – التي خدر وعيها - بأنه أنحرف عن شرع الله تعالى, فالكف عن سب الامام علي عليه السلام الذي كان يعني سب رسول الله لانه اخيه وابن عمه, الى عدم ملاحقة اصحابه, بالاضافة الى رفض ان يكون الحكم بالوراثة الى ولده يزيد, كلها شروط تبين للناس جميعا ان معاوية لم يفي بها منذ ايام الصلح الاولى.
بعد هلاك معاوية لم تكن الامة تحت سطوة التضليل الذي مارسه بدهائه, الا انها ابتليت بداء اخر, وهو موت الارادة والخنوع للواقع المنحرف, فقلوب الناس مع أي مخلص, ولكنها قد لا تنصره لعطب اصاب ارادتها, وهذا ما يبينه قول الفرزدق للامام (قلوبهم معك وسيوفهم عليك), فثورة الاصلاح وصلت الى مرحلة تزويد الناس بشحنات الحماس, ورفض الضيم بعد ان انكشف لهم جميعا حقيقة التضليل الاموي, وما لحق بهم من جراءه,وهذا ما يفسر لنا عدم حاجة الامام الحسين عليه السلام الى تبرير خروجه في كثير من المواقف, الا بالقول شاء الله ان يراني قتيلاً لان الحجة قد تمت على الجيمع, ولم يبقى الا احياء ارادتهم
فمعركة عاشوراء ابتدأت مع صلح الامام الحسن ع, وختمت بالدماء الطاهرة في كربلاء بعد ان قطعت اشواطأً, زودت فيها الامة بالوعي, والارادة, وتحمل مسؤولية الدفاع عن العقيدة.
مقالات اخرى للكاتب