العدو في الثقافة الانسانية له دور كبير في ايجاد التماسك لذات الانسان ومجتمعة, فالذات الانسانية ان لم تستشعر عدوها, وصفاته, وما يأمر به؛ فأنه يصعب عليها ان تتجنب مسالكه وحبائله وكيده, لذا ورد في الذكر الحكيم اية واضحة في هذا المجال (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) كما جاء هذا المعنى صريحا في قول احد الشعراء:
عَدايَ لَهُم فَضْلٌ عليَّ ومِنَّةٌ فَلا أذهب الرحمَنُ عنِّي الأعَادِيا
هُمُوا بَحَثُوا عَن زَلَّتي فَاجْتنبْتُها وهُمْ نافَسُونِي فاكتسبْتُ المَعَالِيا
كما ان لهذه المفردة اثر كبير في تماسك المجتمعات, وتسهيل دور الحكومات في ادارتها وتحركيها حيث شاءت, ولا نريد ان نضرب مثال بالدول التي تحكمها انظمة دكتاتورية, لانها تصور جميع من يختلف معها عدواً, بل نذكر اهم الدول التي تستقر فيها الديمقراطيات, والتي تقود العالم المتحضر اليوم, فهذه فرنسا التي تستقر فيها الديمقراطية وحقوق الانسان تجدها تردد منذ قرون نشيدها الوطني الذي ينذر بعدو محتمل يكاد ان يفتك بابناء الشعب الفرنسي, ويطالب ذلك النشيد المواطنين للتهيء لحمل السلاح وري ارضهم من الدماء النجسة لعدوهم المفترض.
امريكا التي كانت تكتسب من الاتحاد السوفيتي عدوا يبرر لها حجم الميزانيات الهائلة لوزارة الدفاع اضافة الى الازمات المتجددة لنظامها الاقتصادي, اخذت تستشعر الخطر بعد سقوط ذلك الاتحاد الذي كان يكتسب بالنسبة لها كل مزايا العدو القوي, المشخص, الذي يمكن توقع خطواته, والذي يسهم في تماسكها, لذا فأنها حولت حادثة خرق امني في سنة 2001 يمكن معالجتها بتشديد اجراءات الى عدوا يرمي الى القضاء على امريكا برمتها.
الدول المستقرة وتلك التي يسود التوتر حدودها تحاول ان تشخص عدوها, والعراق من اولى الدول بهذا الامر فتشخيص العدو المشترك وادراجه في ثقافة يجمع عليها الشعب العراقي بات امرا جديرا بالتفكير والعمل, فبعد مسيرة الثلاث عشر سنة ثبت للجميع فشل المكونات العراقية المهمة بأتخاذ عدوا يوحد شملهم, ويعزز من وجودهم, فالخوف من التعريب لم يعطي للكرد مزيدا من الرخاء والاستقرار والوئام فيما بينهم؛ لانه يصلح كعدو جيد في النظام الصدامي وحسب, وسيطرة الروافض لم يكن العدو الافضل للسنة؛ لانه لم يجلب لهم سوى الويلات والخراب وتسلط اهالي الشيشان وغيرهم على اراضيهم؛ وتدنيس أعراضهم, وعودة البعث لم يكن بالعدو المحمود لعموم الشيعة لانه لم يحل دون شيوع السياسات الفاشلة وتفشي الفساد والكساد في مناطقهم.
قد يرى البعض ان لدى الشيعة والكرد مشاكل في الادارة والسياسة يمكن الاتفاق عليها, ولكن المشكلة تكمن في المكون السني, الذي تتقاذفه الافكار والتوجهات منذ سقوط النظام ولحد الان بحيث استغل الفكر الوهابي ذلك التخبط ليوجد حاضنة ليوقد نار الحقد ومن ثم الانطلاق في اعماله الارهابية, ولكن التجربة المريرة التي مر بها وحجم الخراب الذي خلفه الارهاب في المدن والشوارع السنية, سيجعلهم يفكرون مليا بخياراتهم المستقبلية, وتجنب العودة لنفس الاخطاء السالفة, وهذا حال الشعوب جميعا التي تكون مدنها ساحات للحرب والاقتتال فالالمان في الحرب العالمية الاولى كانت الحرب بعيدة عن شوارعهم ومدنهم لذا فأن خياراتهم بعدها اتجهت الى امثال هتلر, ولكن عندما دكت القنابل شوارعهم ومدنهم اتجه الشعب الالماني نحو العمل والبناء والسعي نحو التقدم, واختيار الحكومات ولانظمة التي تضمن لهم ذلك.
بعد تطهير ارض العراق من دنس داعش, لابد من تسويق عدوا مشترك بين فئات الشعب العراقي يحافظ على تماسكهم ويوقظ فيهم الحذر من العودة الى ايام داعش السوداء ويحثهم على العمل المشترك لبناء وطنهم من جديد, وكما نجحت اوربا في جلب الاستقرار لبلدانهم بمحاربة النازية علينا ان نحارب الداعشية بما تشمل من اشخاص وافكار وعداء لنظام ديمقراطي وحنين لنظام بائد.
مقالات اخرى للكاتب