علم الاقتصاد في أساسه, هو علم دراسة الحوافز ... كيف يحصل الناس على ما يريدون من ارباح وحاجيات؟, ما هي الظروف التي ينبغي توفيرها, لدفع الأنشطة الاقتصادية المختلفة ؟, ثم ماهي آليات ضبط الموازنة بين حجم الانتاج والاستهلاك؟...الخ, وحيث إن جميع الأنشطة الاقتصادية يمكن قياسها ومعرفتها على وجهة الدقة, لذا كانت الحاجة ماسة لوجود إحصاءات شاملة, لتكون بمثابة, مادة تسهم في تعديل, او تجديد تلك البيئة الاقتصادية من اجل خلق حوافز جديدة, او تعديل القديمة منها.
من هنا تضطلع وزارة التخطيط بدور محوري, في أي عملية تنموية من خلال رصد الواقع بشكل مستمر, وتجهيز الدولة بكافة البيانات, والخطط اللازمة للنهوض بالعملية الاقتصادية, ولكن هل تمارس وزارة التخطيط اليوم مثل هذا الدور؟
السبات التي تمر به هذه الوزارة, يمكن معرفته من خلال زيارة بسيطة لبنايتها الفخمة ذات الطوابق المتعدد, والتي يسودها الهدوء, وعدم الحراك, مما يؤشر الى حد ما ضآلة الدور الذي تقوم به!! ولكن ليس من العدل الحكم على ظواهر الأمور, فربما تقنيات تخميد الصوت, والبرامجيات الحديثة, أسهمت في كتم الأصوات, واختصار أعداد الموظفين, وهذا أمر ممكن, في ظل الإنفاق على الأثاث والكماليات, الذي رافق الميزانيات الانفجارية للأعوام السابقة, لذا يحسن الخوض في تفاصيل من صلب عمل هذا الوزارة قبل الحكم عليها.
يعتبر محصول الطماطم من المحاصيل المتوفرة محليا, ويمتهنها مزارعون لديهم الخبرة منذ سنين طويلة, وليس لديهم أي مشكلة في الري, فالمياه الجوفية هي عماد عملهم, ولكن هذه الزراعة قد تعرضت إلى نكسات كبيرة, من خلال هجران اغلب مزارعيها, لأنهم يبيعون محاصيلهم بأسعار لا تسد كلف الإنتاج , من أهم الأسباب في ذلك, هو عدم ضبط الحدود في أوقات جني المحصول, والسبب في اغلبه يعود الى خمول وزارة التخطيط, وعدم فاعليتها, فحجم الاستهلاك اليومي لهذا المحصول يمكن بسهولة ضبطه (من خلال مكاتب العلوة كما تسمى), كما ان حجم الإنتاج المحلي يمكن معرفته بسهولة بنفس الطريقة, ومن خلال معادلة بسيطة, يمكن معرفة حاجة السوق من المحصول من خارج الحدود, ولكن ترك الأمور على عواهنها, أدى الى ضياع زراعة هذا المحصول بنسبة كبيرة!, فعندما تسمع المنادي ينادي في الشوارع (صندوق طماطة بخمسة) والصندوق يزيد على عشرين كيلوغرام تعلم عندها مدى خسارة المزارع والبلد معاً.
نفس هذه العبارة البائسة نسمعها اليوم ومن نفس المنادي ولكن بألفاظ أخرى (دجاجة كبيرة عدلة بخمسة) ولكن ماذا يعني ذلك ؟
تشهد القرى والأرياف هذه الايام, نمواً كبير في انتاج الدواجن, لأسباب منها يأس الشباب من الاعتماد على حلم التعيين, ووجود هامش ربح في هذه النوع من العمل, ولكن تزايد فتح الحقول المحلية, مع بقاء كميات المستورد على حالها, ادى الى رخص كبير في قيمة الدواجن, وبالتالي فقدان الحافز, الذي ادى بالشباب الى امتهان هذا النوع من العمل, وضموره في المستقبل, فلك حريص على هذا البلد نقول قبل ان نرفع شعار صناعتنا هويتنا علينا ان نرفع زراعتنا وانتاجنا الحيواني هويتنا فبهذا عرفنا منذ القدم, ومن يقرأ تاريخ الامم يجد ان الصين لم يقفزوا في حقل الصناعة الا بعد ان امتلكوا الزراعة وحازوا على أمنهم الغذائي .
مقالات اخرى للكاتب