فِي معرض تبريره لتقييد حركة الإعلام أضاف مسؤول عراقي مصطلح جديد إلى قاموس الإعلام أطلق عليه (الإعلام الفتنوي).
طبقا لوصف المسؤول فإن الإعلام الذي لا يتوافق مع السياسة الحكومية ويبرز سلبيات الأوضاع المعاشة، دون ذكر الإيجابيات هو إعلام تحريضي وموجه ضد العراق، وحتى نقرب الصورة على ما يجري في العراق نستطيع القول إن الواقع الذي يعيشه العراق مرير ومؤلم وكارثي، ويواجه انسدادات رغم عملية التغيير التي شهدتها السلطتين التنفيذية والتشريعية.
من هنا يتطير الفاشلون من دور الإعلام الذي يكشف إخفاقات الطبقة السياسية التي لم تستطع أن تلبي حاجات العراقيين وتطلعاتهم المشروعة.
هذا التوصيف لأحد أوجه وسائل الإعلام، يعكس النظرة القاصرة في فهم دور الإعلام ومهمته في تحصين المجتمع من فيروسات الطائفية وتأشيره مكامن الخلل في الأداء الحكومي، ومخاطر هدر المال والحفاظ على هذه الثروة، وهذه النظرة الأحادية في توصيف مهمة الإعلام، تصادر حق الوصول إلى المعلومة بسهولة ويسر، دون مصدات وصولا إلى الحقيقة التي يسعى إليها المجتمع.
ورغم حالة الارتياح من التغيير الذي أحدثه تكليف حيدر العبادي برئاسة الحكومة خلفا لسلفه المالكي، إلا أن هذا لا يكفي لمواصلة عملية التغيير الشاملة التي تعطلت خلال السنوات الماضية؛ فالطبقة السياسية ما زالت تعيش أزمة ثقة، وأصبح الخلاف بين أطرافها ظاهرة مقلقة رغم محاولات التوافق عبر اتفاقيات ومواثيق شرف، غير أن العراق بحاجة إلى عملية إنقاذ وطنية تخرجه من المأزق الذي يتخبط فيه، جراء حال الانقسام والتشظي الذي أوصله إلى هذه الحالة. لا سيما بعد سقوط الموصل وتغول داعش وهذه العملية تتطلب جهدا من جميع الأطراف وإرادة سياسية حقيقية، تأخذ بنظر الاعتبار مصالح العراق وليس المصالح والأجندات الخارجية.
وعملية الإنقاذ التي نتحدث عنها، لن يكتب لها النجاح ما لم نستعن بالإعلام، وتمنحه الدور المطلوب في عملية الانتقال من حال التردد والشكوك والتخوين إلى الاعتراف بالآخر والتوافق على الثوابت الوطنية.
إن الحديث عن السلبيات وإبراز مخاطر الانزلاق مجددا في العنف الطائفي واقتراح المعالجات الحقيقية للأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية والصحية، وكشف المتاجرين بقوت الشعب والمتلاعبين بثرواته، وتسليط الضوء على السراق والمفسدين نعتقد أن للإعلام دورا في التنبيه إلى مخاطرها، وأن التصدي لها أصبح مهمة وطنية ينبغي ان لا توضع في خانة التحريض على العنف والشحن الإعلامي.
من هنا تكمن أهمية الإعلام الذي لا يتقاطع مع شواغل العراقيين ويعكس همومه ويعبر عن خياراته، لانه إعلام وطني وعامل مساعد لكل الخيرين الذين يسعون بإخلاص إلى إخراج العراق من محنته.
مقالات اخرى للكاتب