في مذكرات ملك أورك جلجامش نوماس منعثر والذي عثرت عليها البعثة الالمانية التي نقبت في الوركاء مطلع القرن العشرين وجدوا أشارات من الملك السومري وقد دونها اثناء رحلته بين السماوة وغابة الارز في مدينة عالية اللبنانية قوله : أذا لم تجد الخبز غذاء لسفرك فأستعن بحناجر مطربي اهل العمارة والناصرية وسانتياغو . ويقال أن اشارته الى سانتياغو كان تضامنا مع المغني الشيلي فكتور جارا الذي قتله جنود الفاشي بيونشت اثناء الانقلاب العسكري ضد حكومة سلفادور الليندي اليسارية . وفي حاشية متن هذه الصفحة كانت هناك اشارة الى داخل حسن من اهالي مملكة أور في عهد ملكها الموسقار شولكي ، فيما اشار الى حسن بريسم وفي اعتقادي انه وليد احدى قرى أو مدن مملكة ميسان الواقعة على الحدود العلامية ــ السومرية.
قرأت تلك المذكرات بطبعتها الفرنسية لدار غاليمار ، حين جلبتها معي الى ربيئتنا المتعلقة في سقف سماء جبل كردمند في قاطع حاج عمران حيث يشاركني فيها 8 جنود اربع منهم من مدينة الثورة قطاع 52.
ولأني احد سكنة أور فقد تشبعت روحا وذاكرة بصوت الخالد داخل حسن ، اما حسن بريسم فهو من جيل حداثة لم اسمعه واستغرب كيف سمعه ملك اوروك قبل أن اسمعه انا .
وكان شوقي كبير لاسمعه فسألت عنه جنود قطاع 52.فضحكوا كلهم ضحكة واحدة وقالوا :نحن نسمعه قبل النوم فهو من يجلب الحنين الى قرى اجدادنا في الكحلاء والمشرح والحلفاية والعمارة وقلعة صالح وشوارع الحنين في قطاعات مدينتنا .
ارد عليهم :وهل تخليتم عن عبادي وجعفوري وحسين سعيدة وسلمان المنكوب .
قال احدهم : ان فيه انين حزنَ ما يحرك فينا الاشياء البعيدة .هو مكمل لهم ولكن بطرب جديد .خذ صوته الليلة معك واسمعه .ستدمن عليه مثلي .
منتصف الليل عندما ختمت ام كلثوم اسطورتها ( اغدا القاك .) ذهبت الى فصل روايتي الجديدة وحين تعبت من الكتابة قلت لاجرب الراحة الذهنية والجسدية مع صوت حسن بريسم .
سمعته فشعرت أن صوته ينعش فينا حداثة ان ترى الحنين والحزن تقريب لما هو بعيد عنك .
وجه امك وابيك واخوتك الذين ارتدوا مثل خوذ الحرب .واحد في بحيرة الاسماك والاخر في قاطع مندلي وانتَ تتدلى اجفانك مع الخيوط النازلة من اثواب النجوم فوق الجبال العالية ليحسسك صوت حسن بريسم بدفء عاطفة الغرام في رغبته لاستعادة امكنة الجنوب المفقودة ، دلمون وعدن وقرى المعدان التي احرقها مدافع الوية الاهوار التي شكلتها الدولة خوفا من ثورة تأتي من اعماق غابات القصب.
تشعر ان القرين بين جارا وحسن بريسم هو مقاربة الروح في تماثلها للغرام الياسري .لكن فكتور جارا قتلوه في ملعب كرة قدم فيما حسن ربما مثلي يتحزم بنطاق الجيش ويفكر بالهروب هو وبحته السومرية الى جهات المنفى.
صباحا شكرت الجندي من اهالي الثورة لانه عرفني بحسن .
ابتسم وقال وستعرف معه روحك والدمعة وغرام الحبيبات .
في الظهيرة تعرضت ربيئتنا الى قصف مدافع الهاون .فأصيب في هذا القصف الجندي الذي اهداني كاسيت اغاني حسن بريسم .
كنت اول من هرع اليه لارى شظية وقد ثقبت خاصرته .نظر الي وقد سكنته دمعته مضيئة .وهمس لي :
سأغدر المكان مع جرحي اما موتا او شفاءً.إان مُت خذ كاسيت حسن بريسم وتذكرني كلما غرقت بونينه .وان عدت اعد اليَّ الكاسيت لاكمل شفائي معه.
تأخر وصول المسعفين من مقر السرية .نزف دما كثيرا الجندي ( حبيب قطاع 52 ) حيث كنا نلقبه في الفصيل . وعندما تم اخلاءه كان النزيف قد اخذ منه كل دمه ليموت بجرح ليس مميتا.
بعد سنوات طويلة كنت اتمشى في شارع المتنبي .وجدت نفسي وجها لوجه مع حسن بريسم الذي كان يعرفني حتى دون ان نلتقي .
تبادلنا التحيات .
ومع ابتسامته الهادئة الملونة بجنوب ابدي تذكرت صديقي حبيب قطاع 52. وكم تمنيت أن استعيد معه قصة الكاسيت .
لكن صديقا تدخل بيننا في الحديث ونسيت قصة حبيب قطاع 52 وابقيت سعادتي بالتعارف على حسن بريسم.
مقالات اخرى للكاتب