بعد زمن من متعتنا مع ماركيز وقبل أن تكون ثنائية العلاقة بين الروائي والمطربة الكولومبية من أجمل الثنائيات التي منحتني وانا في مدن الغربة حماس أن يكون عنوان احدى كتبي القصصية هو (غراميات شاكيرا وسلمان المنكوب ) أعيد أستذكار اليوم الذي أتت فيه الينا رواية غابريل ماركيز ( مائة عام من العزلة ) في يوم عاصف وماطر ونحن نعيش حياتنا الهادئة في مدرسة نائية في واحدة من قرى اهوار جنوب الله. وأظن أن هذه الرواية غيرت في الكثير من احاسيس المعلمين الذين تتابعوا على قراءتها بشغف ، وربما تلك الفنتازيا السحرية المدافة بواقع له خصوصية المناخات الاستوائية لبلد ماركيز ( كولمبيا ) قربنا تماما الى فهم التجانس البيئي بين عالمه وطبيعة الاهوار وذلك يوم اتت الينا روايته الرائعة الاخرى ( الحب في زمن الكوليرا ) وبينهما تمتعنا في ان نعيش هذا التجنيس الغريب بين الامكنة التي صنع فيها ماركيز اساطيره اللاتينية وبين المكان الذي تمنى فيه احدهم ان يكون المشحوف الذي ينقلنا في نزهات مساءتنا الى اعماق الهور هو من يركبه بطلي رواية الحب في زمن الكوليرا ليعيشا الحس الابدي للغرام في مودته المدهشة.
وقتها لم نكن نعرف شاكيرا وربما هي لم تزل صبية ولم تقف وراء الميكرفون وتشعل العالم اغراءً برقها وفتنتها وصوتها ، ولكن فيما بعد أتت الى قريتنا نبوءات ولادة صوتها بين خواطر ماركيز لكنني وقتها كنت حملت رواياته الى مهجري بعد أن أشاعت روايته خريف البطريق الذعر الكبير في ابدان معلمي مرستنا يوم كان ماركيز يعيش في ذائقتنا بدون صدى انوثة الصوت السحري وايماءة الغزل الكولومبي في عيون وجسد شاكيرا.كان ماركيز أيام متعة قرى الاهوار معنا ولكن بدون شاكيرا ، وربما كان شيء من سريالية المكان ان نقرأ روايته ( ليس لدى العقيد من يكاتبه ) او رائحة الجوافة ونحن نستمع الى صوت المطرب الجنوبي ( سلمان المنكوب ) صاحب الالياذة الشهيرة ( أمرن بالمنازل ..منازلهم خلية ) ولكن بعد عشرات الاعوام حين صار بمقدورنا ان نكتشف الخيوط السرية للعلاقة السحرية بين ماركيز وشاكيرا ، اتذكر تلك اللحظات البعيدة في مساءات قريتنا الاهوارية حيث كنا نقرأ ماركيز بدون ماركيز وليس في صدى المكان سوى صوت مطربنا الحزين سلمان المنكوب.
الآن اعيد صدى تلك الايام مع خواطر مجموعتي الشعرية وهي تبدأ نشيدها الحنون الى تلك الازمنة التي كان فيها رواية حب في زمن الكوليرا هو من بعض امنيات مشاحيفنا لتكون هي شاهدة الرحلة فتكون مقدمة الكتاب :
هي في وطنها كولمبيا تغني بمجون عاطفة الأنثى الهائلة. والمنكوب في قبره متوفّ، بعد عصر من ربابة السحر وأغاني المذياع وإهداءات الجنود في إذاعة القوات المسلحة، لينتهي في عزلة البيت والنسيان، فلا تكرمهُ، لا دولة، ولا وزارة، ليموت، حتى دون أن تتحرك ريشة المروحة المنضدية التي أمامه، فالقطع المبرمج يوم مات سلمان المنكوب هو ساعة اشتغال وثماني ساعات توقّف، وحتماً؛ هو توفي في هذه الساعات الثماني.الآن في نهاية رواية حب في زمن الكوليرا لغابرييل ماركيز عاشق شاكيرا الأول، ثمة مشهد يؤسطر الغرام بين اثنين، وفي زورق، لا موانئ له سوى مطلق السفر بعيداً وبدون توقّف.
مقالات اخرى للكاتب