إستعراض للأحداث التي مرت بالعراق منذ وصول النفوذ البريطاني مدخل الخليج في القرن السابع عشر واحتلال العراق عام 1917 حتى الاحتلال الامريكي عام 2003 وما تبعه من تداعيات
وكما ذكرتُ سابقا وجدت الناس في هذا المساء مجتمعين حول الراديو يسمعون خطاب عبد الاله للشعب عن الغاء المعاهدة و إقالة الوزارة وكنت ساعتها اشرب (استكان الشاي على رصيف المقهى) وإذا بساعي البريد يتوجه نحوي ويلوح لي بيده برقية ويقول لقد بحثت عنك كثيرا واريد (حلاوة البشرى) كانت البرقية من اخي ينبئني بقبول اوراقي في كلية الحقوق وانه سيسعى لنقلي إلى بغداد. لقد كان ذلك هو الخيار الافضل ان اجمع بين الوظيفة والدراسة اما العودة إلى مدرسة الشرطة العالية ثلاث سنوات اعود بها إلى حلقة المعاناة التي اجبرتني على الدخول خانة ألشواذي واحرم نفسي من الاستقلالية التي حققتها العيش على كدي في هذه الخانة ارسل ما اوفره إلى امي ليأكل حمارها مما ينتجه ربيعي مادامت تخاف من الغربة التي فضلت بسببها العيش مع ابنتها تساعدها على تربية اولادها على العيش في بيت وتكون هي سيدته بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، مسكن خير من مسكنها في عَنَه وخير من مساكن اخواي واختي ولها من يخدمها فتاة (بيضاء القلب سوداء البشرة) لها دور في مسيرتي على مدى ست سنوات. إذا فانتظار امر صدور النقل إلى بغداد والجمع بين الدراسة والوظيفة والعيش مع امي هو الحل الأمثل والذي يستحق التضحية والانتظار مهما طال المدى وقد طال، وهذا يخرج عن الموضوع الذي اكتب عنه. في الانتظار انكببت على قراءة كل ما وقعت عليه يدي من كتب في الادب والشعر والقانون والتاريخ ولا استحي ان قلت اني قرأت كتاب عتيق عنوانه (رجوع الشيخ إلى صباه) ودرست منهج دراسي بريطاني () شجعني على دراسته القنصل البريطاني في العمارة (بركلي) فقد خدمتني الصدفة للتعرف على الرجل البريطاني الانساني فقد وجدت سيارته عالقة بنهر الطيب على الحدود الايرانية وانتخى فرسان (شرطة الخيالة) مخفر الطيب في اخراجها دفعا وكان هو معهم وكنت انا في تلك الايام اشغل امرية صنف الخيالة من ضمنها مخافر الحدود الثلاثة البجليه والطيب وابو غرب وكان اخراج سيارة القنصل سحبا بسيارة الجيب التي كنت اقودها امرا ميسورا الا انه كان عظيما لهذا الرجل ورغم الفارق الكبير بين قنصل بريطاني ومفوض شرطة الا انه والسيدة زوجته اعتبراني صديقا لهما يصران على الحصول على الاذن من مدير الشرطة لمرافقتهما في نزهات قريبة خارج المدينة على ظهور خيل الشرطة. وعلى النقيض منه الدكتور القس بيتر رئيس البعثة التبشيرية في العمارة فقد كان شديد التشكي مني لان ما بلغه عني هو اني حصلت على عمل لمسلم تنصر يستخدمه بيتر في توزيع الكتاب المقدس رغم ان هذا الرجل اصابه العمى بسبب تنصره حسبما يعتقد اهل العمارة والتقيت باغلب شيوخ عشائر اللواء وعملت في جميع اصناف وظائف الشرطة و بعض اقضية و نواحي العماره بانتظار النقل إلى بغداد لمواصلة الدراسة ودرست الحقوق وتخرجت من كليتها ودرست الادارة العامة وتخرجت من كليتها وعملت في النجف وكربلاء والكوفة والحلة والسليمانية وكركوك وفي بغداد وفي جميع فروع النشاط الشرطوي ادارة مراكز الشرطة ومعاون لمدير شرطة بغداد واخر لاقسام النجدة الرصافة والكرخ وعملت مديرا لشؤون الجنسية العراقية ومديرا لحركات الشرطة العامة وفي الأولى عرفت بعمق مكونات الشعب العراقي ثلاث سنوات لا اظن ان مشكلة لفرد او أسرة في حقيقة انتمائهم الوطني الا وعملت بامانة وصدق لحلها وقد انجزت الكثير من المعاملات المتاخرة وقدمت دراسة بشأن المتسللين الذين طلبوا الجنسية والتجنس ولم تتوفر فيهم شروطها واقترحت ان تتاح لهم فرص الاقامة المشروعة مدفوعا بحرص على اندماج من ترك وطنه وعاش متخفيا في العراق ان يكون العراق وطنه وله ولاءه متاثرا باحداث ما بعد سقوط النظام الملكي ونجحت في كثير واخفقت بالقليل وعلي ان اسجل هنا ان احدا لم يطلب مني مخالفة القانون وتركت اثرا محمودا في نفوس كانت يائسة مجهولة المصير. وفي الثانية ادارة حركات الشرطة العامة للحدود العراقية الايرانية من (ماوت) في السليمانية إلى البصرة متابعا من الجو الحشود الايرانية عام 1971 1972 التي كانت التقارير تبالغ فيها بسبب تعديات ايرانية على مخفر شرطة في أرض متنازع عليها حتى ام قصر. ومن هذه وتلك ازعم انه لم يكن في الصفوة السياسية انذاك عام 1948 من يملك من المعرفة أي شيء عن الامن القومي للعراق في وسطه الاقليمي. ولا من يتقدم لشرح بنود المعاهدة التي اعتبرها نقطة التحول في مسيرة حياة النظام الملكي وكان رفضها بسبب انعدام الثقة بين الشعب وحكامه. قلت في الاوراق السابقة ان الانتفاضة بسبب معاهدة بورت سموث وعدم معالجة ما ظهر على السطح مما كان مدفونا تحت طيات ارضية متشققة كالحمم البركانية تثور وتحرق الأرض والحياة التي عليها وتارة تهدئ وتغري السائحين الصعود إلى فوهتها والتفرج عليها ومع ذلك لم تكن محل دراسة من المسؤولين للوقوف على اسبابها ومعالجتها على وجه التحديد وليس الاثار والنتائج المتخلفة عنها ثورة العشرين، تمرد الاثورين، انقلاب بكر صدقي، حركة رشيد عالي الكيلاني، اضطرابات عام 1952 و منها امثلة كثيرة، وبتقديري الشخصي ان انتفاضة عام 1948 و عدم تحري اسبابها ومعالجتها كانت بداية العد التنازلي لسقوط الحكم الملكي وسقطت معه ما بنيت إليه للسقوط، اردت في هذه المداخلة ان ادفع عن نفسي ريب التطفل على الآخرين من اقحام نفسي في البحور التي يسبحون فيها. وحيث وضعت لنفسي منهجا للبحث في هذه المرحلة من حياة الوطن فسأتكلم عنها بما توفره لي قدراتي.
1-شيء عن الحقيقة في التاريخ
قبل أن أحاول البحث عن حقيقة النبأ الذي لم يستقر والذي أشرت إليه في المقدمة لا بد من الرجوع إلى سجلات التاريخ على ما فيها من نقص وعيوب. وعيوب التاريخ ليست من اختراعي ولكنه رأي علامة العرب في التاريخ (عبدالرحمن بن خلدون) صاحب المقدمة الشهيرة والذي ذاع صيته في العالم على انه أول من فلسف التاريخ وقوله هذا أنقله بالنص من مقدمته المذكورة يقول ابن خلدون (الحمد لله المنسوب إلى الصحيح) ويكتفي بذلك ويوقع. لا أظن ان أحدا كان قبله اوجاء بعده تمكن من التعبير عن الحقيقية التي شغلت عقول الناس بهذه الكلمات الأربع (الحمد لله المنسوب إلى الصحيح) اذ ليس من حقيقة إلا الحقيقة المنسوبة إلى الله جل شأنه. ويمضي ابن خلدون في مقدمته التي كتبها قبل 500 سنة ويوضح ما أوجز فيقول (ألغلط والوهم نسيب الأخبار وخليلها)، فالأخبار مظنة ومطية الهذر والكذب متطرق إلى الخبر بطبيعته، ثم يمضي يعدد الأسباب المؤدية إلى ذلك فيقول ما نصه (منها التشيعات للآراء والمذاهب فأن النفس إذا كانت في حالة من الاعتدال في قبول الخبر أعطته حقه من التمحيص والنظر حتى يتبين صدقه من كذبه وإذا خامرها تشيع لرأي او غفلة قبلت ما يوافقها من الاخبار لأول وهلة كان ذلك الميل والتشيع غطاء على عين بصيرتها من الانقياد. فتمتنع من قبول الكذب ونقله ومنها الذهول عن المقاصد. فكثير من الناقلين لا يعرف القصد مما عاين او سمع وينقل الخبر على ما في ظنه وتخمينه فيقع في الكذب. ومنه الجهل في تطبيق الاحوال على الوقائع بما يداخلها من لبس المتصنع فينقلها المخبر وهي بالتصنع على غير الحق في نفسه.
ومنها الجهل بطبائع الاحوال والعمران فأن كل حادث من الحوادث له أحواله. فإذا كان السامع عارفاً بطبيعة الحوادث و الاحوال. من الوجود ومقتضياتها أعانه ذلك على تمحيص الخبر وتميز الصدق من الكذب. هكذا رسم لنا مؤرخنا المشقة التي تواجه من يريد الوصول إلى الحقيقة، وقد وقع الناس بعد كل حادث في لبس وحيرة، وجاء تأريخنا القديم المنقول بالرواية او المسجل في مؤلفات احتوتها خزائن التراث العربي سواء ما بقى مبعثراً في المساجد وبيوتات اهل العلم بعد ان احنى الدهر على هذه الامة او ما حوته خزائن الدول الاوربية التي عنيت بجمعه. الا ان هذا الذي وقع في الماضي يبدو وكأنه قد صار نوعاً من الاساطير يتطرق اليها الوهم الذي يبعدها عن الحقيقة. وقد يظن البعض ان التقدم العلمي والتوثيق الحديث قد أغنانا عن مشقة البحث، فالحقيقة بين ايدينا مكتوبة ومصورة وناطقة ولكن الاراء الحديثة لا تزال تشكك في التاريخ كونه ناقلا للحقيقة..
مقالات اخرى للكاتب