قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز بسم الله الرحمن الرحيم (وقال الشيطان لم قضي الأمر أن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم….) صدق الله العظيم.
قرأت مؤخراً كتاباً قيماً ألفه الدكتور عماد هادي علي الربيعي عــــنوان الكتاب (العراق والتحالف الدولي 1991- 2003 وما أقوله عن هذا الكتاب ليس نقداً موضوعياً سيئاً أو أكاديمياً وإنما هو رأي لقارئ من هؤلاء الناس الذين تؤلمهم هموم وطنهم فالكتاب من حيث المحتوى أبدع المؤلف في عرض الأحداث حسب تتاليها في الفـــــترة التي حصـــرها بين عامي 1991-2003 معتمداً على 285 مرجعاً أهمها قرارات مجلس الأمن وكتباً وبحوث ومقالاً باللغتين العربية والإنكليزية مع لقاءات مع من لهم علاقة بتلك الأحداث. واستأذن الأستاذ الفاضل مؤلف الكتاب أن أبدي عدة ملاحظات أجملها في النقاط التالية:
أولاً: إن التحالف لم يكن غربياً فقط فإن جمعته وقادته أمريكا فإنه تشكل من دول من أقصى غرب العالم ووسطه وشماله وأقصى شرقه وأهم ما جاء به المؤلف ذلك الجدول الذي شمل 32 دولة اشتركت في ذلك التحالف ذكر اسماءها وعدد الجنود الذين اشتركوا في قتال الجيش العراقي وأخرجوه مهزوماً من الكويت الهزيمة الأولى في جميع حروبه. ومن الغرائب التي رافقت تلك المعارك بين التحالف والجيش العراقي أن يقاتل الجيش السوري العقائدي البعثي شقيقه الجيش العراقي العقائدي البعثي. وأن يبدع أديب مصري ويخرج أحد هذه الغرائب في قصته ربما كانت من صميم الواقع عرضت على شاشات التلفاز مضمونها أن مجنداً في الجيش المصري الذي أرسل لمقاتلة الجيش العراقي له شقيق من أم وأب مصريين متطوع مع الجيش العراقي والشقيقان يتقاتلان على أرض الكويت.
والأفظع من ذلك ما كان من خادم الحرمين الشريفين الذي وعد العراقيين أنه سيتقاسم معهم رغيف الخبز عندما كانوا يقاتلون دفاعاً عنه وعن البوابة الشرقية للأمة العربية وعندما ذهب الخطر عنه ونشأ خطر جديد ضده ذلك هو الرصيد من المحبة والتقدير بين أفراد شعبه للجيش العراقي ولابد أن يكون لصدام إعجاب ونصيب من تلك المحبة والتقدير لذلك حرض على سحق الجيش العراقي وقتل صدام متجاوزاً واجبه الشرعي إصلاح بين الفئتين المتقاتلتين كما أمره الله (وإن فئتين من المؤمنين اقتتلا فأصلحوا بينهما فان بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي…) صدق الله العظيم.
لقد كانت شرارة غزو الكويت انطلقت من جدة كما هو معروف وإن كان لخادم الحرمين الشريفين عذره لأنه خاف أن يبقى عليه صدام بعد أن خرج من حرب 8 سليماً وهو يحمل شعار أمة عربية واحدة وقد أحيت هذه الحرب آمالاً لدى الامة العربية أن تكون لهم وحدة أو اتحاد لأن ذلك يعني أن يتقاسم عرب اليمن الفقراء أو يأخذوا على أقل تقدير شيئاً من ثروات السعوديين.
أما أمير المؤمنين ملك المغرب فليس له عذر وكان واجبه أن يدعو حاكم العراق وحاكم الكويت أو يساعدهما على تسوية الديون التي ما كانت محل تقدير لدى حكام الكويت لأنها كانت عبارة عن دماء المليون رجل عراقي سفكت على أرض الفاو دفاعاً عن الكويت (يوم الكويت) وإذا وقع الأمر احتلال الكويت في غفلة منه فكان عليه أن يصل إلى مطار بغداد بدون دعوة أو استئذان ويطلب من صدام الخروج لاستقباله وسوف يسرع صدام للخروج للتشرف باستقبال أمير المؤمنين لأن صدام كان في أمس الحاجة إلى من يأتيه من حكام العرب بوزن ملك المغرب ويجعلها عذراً للانسحاب من الكويت لأنه كان يعلم أن جيشه سيخرج مهزوماً وستكون الخطوة التالية سحقه وسحق العراق ولكن غروره أعماه ولم يقدم الدبلوماسية على الحروب.
أما الملاحظة الثانية: فكنت أود لو أن المؤلف الفاضل الدكتور عماد استعرض الأحداث التي كانت الذريعة بيد الدول العظمى وحكام العرب لإقامة هذا التحالف. والذريعة ما فعل صدام حسين ونظامه بعد أن وضعت حرب الـ 8 سنوات أوزارها التوجه إلى التسليح وكان أمامه آثار حرب ايتام وأرامل ومتطلبات تنمية وإعمار ما خربته الحرب وقضية الأسرى والأكثر أهمية أنه لم يصل إلى تلك النهاية للحرب (تعادل بالضربات) إلا بذلك الدعم من أمريكا وأهمها الدعم المخابراتي والدعم المالي من الدول العربية المجاورة وأن يعيد النظر في علاقة العراق مع إيران. فقد تمكن الملك فيصل الأول بحكمته وحنكته إقامة تحالف مع إيران وتركيا أنهى مشاكل خطرة إيران يطالب بشط العرب وتركيا تطالب بولاية (محافظة الموصل) وعادت التوترات بعد أن سقط الحكم الملكي في عام 1958.
الملاحظة الثالثة: وهي أن العلم العراقي الذي زين به غلاف الكتاب لم يكن هو العلم الذي كان يرفع في العراق وسوريا القطران البعثيان اللذان وضع لهما قائدهم المؤسس دستوراً جعلهم في شقاق بحيث أرسل حافظ أسد جيشه لقتال جيش صدام في الكويت وكان على العلم المشترك نجمتان تعبران عن وحدة القطرين تضليلاً للشعبين وأعود إلى العنوان الذي أكتب تحت فلا تلوموني ولوموا أنفسكم فإنه لا لوم على أمريكا ولا على من اشترك معها له مصالح أراد أن يصل إليها من الغربيين والشرقيين والعرب والمسلمين وحتى من لم تكن له مصلحة واشتراك بدافع انساني لأن ما فعله النظام العراقي باحتلال الكويت كان جريمة لا مبرر لها وأقول فإنهم لا لوم عليهم وإنما اللوم على النظام البعثي وقيادته صدام حسين بالذات. وقد يقول أحد ممن يقرأ هذه الأسطر أن السياسيين والقادة العسكريين كانوا مجبرين واقول أن دماء الملايين التي سفكت من الشعب العراقي أعز وأغلى من دمائهم لو عصوا أوامره ولا سيما العسكريون منهم.فإن لم يكن له قدر على الانقلاب عليه وسفك دمائهم لخلدهم الشعب العراقي واقام لهم تماثيل إن لم تكن على الأرض وإنما في الذاكرة وعلى صفحات الكتب وقد فعلها ضابط عراقي قبلهم فعندما أعلنت الكويت استقلالها من جانب واحد دون تفاهم أو حتى استشارة للجانب العراقي غضب حاكمه يوم ذاك الزعيم الركن (العميد) عبد الكريم قاسم وأصدر مراسيم منها إعادة دولة الكويت إلى مدينة بدرجة قضاء ربطها بلواء (البصرة) مثلما كانت قضاء تابع إدارياً لولاية البصرة أيام الحكم العثماني. ووضع خطة عسكرية أرسلها مع معتمد من الضباط بالقطار النازل إلى الديوانية حيث تتمركز الفرقة الأولى من الجيش العراقي بقيادة الزعيم الركن سيد حميد سيد حسين حصونة ما تسرب عن هذه الخطة أن فيها أمرا إلى ذلك القائد التحشد ثم احتلال الكويت ولكن ذلك الضابط العراقي المهني كان في القطار الصاعد إلى بغداد والتقى بقائده وأخبره أن القوات التي تحت قيادته غير جاهزة لهذا العمل وخاطر الرجل رحمه الله بحياته لأن امتناعه يعني عصيان أمر عسكري فإن لم يسحب عبد الكريم المسدس الذي يحمله على جانبه الأيسر ويفرغ طلقاته في رأس الزعيم الركن سيد حميد سيد حسين فإن أهوى الشرور أن يحيله إلى مجلس عسكري وكان رد الكويتيين في تلك السنين أن سعوا إلى الزعيم عبد الكريم ووصلوا إلى مسودة معاهدة أو اتفاق أعطى للعراق امتيازات كبيرة لقاء اعتراف العراق بالكويت تسارعت الأحداث وجاء انقلاب عام 1963 أنهى ذلك العمل وتلاه اعتراف العراق بالكويت. ومثلما يقع اللوم على صدام وفريقه يقع اللوم على حكام الكويت بأن لا يطالبوا بديونهم ويعطوا لصدام الذريعة للتعدي عليهم وكان عليهم ألا يقيموا حدود بقوة السلاح الأمريكي ويستغلوا الأوضاع في العراق وينشئوا الميناء الكبير ويسدوا المنفذ الوحيد للعراق على الخليج هذا ما كنت أتمنى أن يتضمنه ذلك الكتاب القيم عسى أن يكون فيه عبرة للأجيال القادمة.
مقالات اخرى للكاتب