تتوارد علينا منذ سنة اخبار العمليات العسكرية الدائرة في الانبار الهادفة الى قطع دابر الارهاب , مع نتائج من سيء الى اسوأ. وقد لوحظ تصاعد وتيرتها اثر رفع ما سمي بخيم الاعتصام في كانون اول الماضي. حيث ابتدأ هذا التصاعد بعملية اغتيال قائد الفرقة السابعة كما نذكر تلاه احتلال داعش لمدينتي الرمادي والفلوجة اثر انسحاب غامض ومفاجيء للجيش منها. وقد جرت هذه التطورات في فترة اقل من شهر وسط تعتيم إعلامي حكومي تجاهها.
منذ سنة إذن والمواجهات مع زمر داعش الارهابية تشتد في الانبار يواجهها جيش عاجز تماماً عن القضاء عليها. وقد ساءت الامور اكثر عندما تمكن الارهابيون من التمدد في جميع الاتجاهات في الانبار وخارجها. فانتشر خارج المحافظة شمالاً نحو صحراء الجزيرة حيث احتل بلدة الحضر. ثم لينطلق منها نحو قطع الطرق الواصلة الى مدينة الموصل وصولاً الى إسقاطها. وقد شكلت عصابات داعش من مناطق الثرثار والحضر قاعدة تهديد لكل من محافظتي صلاح الدين وبغداد. واتجه الارهابيون بنفس الفترة كذلك جنوباً فاحتلوا جرف الصخر واقتربوا من بلدة المسيب جنوباً , التي تقع على الطريق بين مدينتي الحلة وكربلاء.
من المسؤول عن تمدد هذه العصابات خارج المحافظة ؟
اما داخل المحافظة فعلى اطرافها الحدودية الغربية اكتشفنا من خلال صدف إعلامية بحتة وجود مناطق ساقطة بيد الارهابيين منذ فترات طويلة جرى التكتم عليها من قبل السلطات العسكرية العراقية. فالمنطقة الحدودية حوالي مدينة القائم حتى منفذ الوليد مع سوريا في اقصى الطرف الغربي كانت كلها بيد عصابات داعش. ولا نعلم للحظة إن جرت استعادتها من قبل عمليات الانبار. ونتسائل مع الكثيرين عن سبب التهاون والتقاعس عن استعادتها طوال هذه الفترة. فهي تمثل مصدر تهديد كبير كونها تشكل نقاط عبور للسلاح والمقاتلين لبؤر التمرد في المحافظة. وكل هذا كان من أجل التمهيد للهجمة الارهابية الاخيرة التي لم تنته بسقوط مدينة الموصل.
تلاحق سقوط مدن الانبار بيد هؤلاء الإرهابيون بعد سقوط الموصل. فسقطت الرطبة ثم عنة وراوة والقائم , وحوصرت حديثة. ثم سقط منفذي طريبيل والوليد مع الاردن وسوريا , كلها في خضم بضعة ايام !
ومدينتي القائم والرطبة هي مناطق استراتيجية مهمة. فالاولى هي المنفذ الحدودي الرئيسي مع سوريا. لذلك فهي من اهم مناطق الدفاع عن العراق. بسقوطها تسهل انتقال الارهابيون من والى سوريا. اما الرطبة فعدا عن وقوعها على الطريق الرابط بين بغداد وعمان ودمشق , فإنها تسيطر على كامل اقصى الجزء الغربي من العراق. ولا نحتاج لذكر عملية اقتحام سجن ابو غريب قبل هذه الاحداث في صيف 2013 التي كتبنا عنها ولا عمليات اقتحام مدن الانبار الاخرى مثل عنة وهيت وحديثة وانصراف قوات الجيش عن نجدتها.
من المسؤول يا ترى عن سلسلة الهزائم هذه (ولا نقول المهازل) التي تجري في الانبار على مدى سنوات , ومنذ سنة على الاخص ؟
نحاول الا نظن سوءاً بامر الفريق رشيد فليح قائد عمليات الانبار. إلا ان الوقائع تصفعنا في وجوهنا كلما نظرنا اليها. فالمحافظة هي احد اكبر مناطق النشاط الارهابي منذ سقوط النظام السابق , وما زالت. ولم يكن يمر يوم دون ان يأتينا خبر اقتحام مدينة او موقع عسكري. وكالكثيرين منا كنا وما زلنا نتساءل عن سبب الاريحية والسهولة التي تتمتع بها العصابات الارهابية في حرية التحرك ومهاجمة الاهداف , ثم الانسحاب منها دون خسائر تقريباً (على عكس الادعاءات الحكومية) , لتعاود بعدها الكرّة في مكان آخر ؟ وما سبب تقاعس قيادة عمليات الانبار عن مطاردة الإرهابيين والقضاء عليهم بعد كل عملية يقومون بها ؟ وقد لوحظ ايضاً تكرار غياب تلك القوات عن المدن التي تتعرض للهجمات الارهابية بحيث ترك السكان والشرطة المحلية يواجهون الارهابيين لوحدهم. إن هذا يوازي تسليم المدن عمداً للارهابيين. وهو ما جرى للفلوجة والرمادي بداية.
كيف قيض لداعش الارهابية القيام بكل هذه العمليات التي انتهت بالاستيلاء على مدن الانبار الواحدة تلو الاخرى منذ سقوط الموصل... وتعجز قيادة عمليات الفريق رشيد فليح عن مواجهتهم والقضاء عليهم ؟ كيف تمكنت عصابات هذه الداعش من التسلل خارج المحافظة شمالاً وجنوباً لتهدد امن العاصمة وباقي المدن... دون ان تقوم عمليات الانبار هذه التي يبدو انها كانت غافلة تماماً , بالتصدي لهم ؟ كذلك لما كان معروفاً طريق إمداد الارهابيين بالاسلحة والرجال لِمَ لم يجر قطعه ؟
في شهر ايلول الماضي "تحقق" اخيراً مثول الفريق فليح (البعض سماها "استضافة") في مجلس النواب. لا لاجل الوقوف على مسلسل المهازل اعلاه , وإنما فقط لغرض الاستماع لافادته في ما عرف بكارثة الصقلاوية والسجر شمال الفلوجة ! وهي إحدى مهازل عمليات الانبار من التي راح ضحيتها الكثير من الجنود لم يعرف عددهم حتى الآن (ويبدو من الاخبار ان الفريق ايضاً لا يعرف !) ومن الخبر اليتيم المنشور حول هذه "الاستضافة" بدا واضحاَ استياء المجلس من إجابات الفريق الباهتة حول اسباب الكارثة. فمرة هي الجنود الفضائيين (يجهل عددهم) , ومرة هي تفوق داعش بالسلاح (كذا!) , ومرة اخرى هي تلغيم الطرق (وهو نفس التبرير الذي استخدمه لدى اجابته عن سبب تأخر النجدات الى سجن ابو غريب) ! وهي إجابات تثير السخرية. لم يذكر الخبر اليتيم شيئاً عن اسباب الفشل في استدعاء طيران الجيش لقصف الارهابيين الذين يحاصرون الجنود.
وعلى ذكر الفضائيين نسأل... إن كان هؤلاء يدفعون رشاو لقادتهم العسكريين مقابل غض النظر عن هروبهم من الخدمة , فلابد ان هذا الفساد يجري بعلم فريق(نا) هذا ! وهو ما يجعله مشاركاً رئيسياً في هذه الجريمة. فقائد مثله يترك جنوده يموتون تحت حصار الارهابيين بلا حماية ولا تموين , ويساهم في تخريب عديد قواته والقضاء على كفائتها القتالية... لا يمكن ان يفسر إلا بكونه شخص مناط به تنفيذ مهام نخر الجيش من الداخل وتدميره.
فمن يقبل الرشاوي لن يتورع عن الخيانة.
لقد كتبنا في السابق عن ان الجيش مخترق ويتوجب تطهيره. اي تطهيره من الجواسيس والضباط البعثيين الذين جرى دسهم فيه من قبل الاميركان. وما يكون الفريق رشيد فليح (خريج كلية الامن القومي البعثية التي لم يكن يقبل بها إلا الضباط المؤكدين من ولائهم البعثي) , إلا احد هؤلاء. وهو وغيره هم ممن ابقاهم المالكي بمناصبهم متجنباً إبعادهم مع علمه بماضيهم وفسادهم.
قبل الانتهاء من هذا الموضوع لا بد من الاشارة الى الدور غير المسؤول للجنة الامن والدفاع في برلمان الصدفة الذي لدينا. فالتهاون وانعدام الشعور بالمسؤولية هما من اهم "صفات" رهط هذه اللجنة. إذ تفوقت على قيادة عمليات الانبار في الفشل في القيام بواجبها , والتحقيق في صور الفساد والتصرفات المشبوهة التي تقوم بها وفي تراجعها المستمر في تأمين المحافظة. ولم تعمل على تطهير هذه القوات من الجواسيس الذين زرعهم الاحتلال فيها. فلا من تحقيق مع قائد العمليات حول فشله الميداني وفساده وتواطؤه الاجرامي , ولا اي نشاط لمتابعة الموضوع باي شكل كان. ولم يبد عليهم حتى القلق من تكرار الخروقات الارهابية في المحافظة التي تحولت الى قاعدة انطلاق لعمليات تسلل لهذه العصابات خارجها شمالاً وجنوباً ! بل هو الصمت المطبق ولعله التواطؤ ايضاً. بالنتيجة تركت المدسوسين ليعملوا على هواهم في نخر الجيش وتخريبه وشله عن القيام بعمله. وبهذا تكون قد حققت بنجاح باهر آمال اعداء العراق.
من اعضاء لجنة الامن والدفاع (للدورة السابقة) : اسكندر وتوت , عباس البياتي , قاسم الاعرجي , شوان محمد طه , موفق الربيعي , حامد المطلك , حاكم الزاملي , و.. هادي العامري.
نطالب بإقالة الفريق رشيد فليح وإحالته للمحكمة العسكرية لفساده , ولتهاونه عن التصدي للعصابات الارهابية ولتراجعه المستمر عن تأمين محافظة الانبار منذ توليه عملياتها.
ننتظر حصول هذه الإقالة بمعية مجلس النواب الجديد. فهل سنراها تتحقق ؟
مقالات اخرى للكاتب