بعد يومين من إحتلال الدواعش لمدينتي أم الرماح ، نصحتني أمي بوضع الحجاب على رأسي وإرتداء ملابس سوداء طويلة قبل ذهابي الى الجامعة ، لم أقتنع بنصيحتها وهممت بمغادرة المنزل كما تعوّدت طيلة حياتي ان اكون بشعر طليق وملابس جذابة ، لكن أمي لاحقتني وأغلقت باب الخروج بوجهي وقالت بصوت مرتعش : سيصلبونك على باب الدار اذا خرجت على هذا الحال ، أذعنت لنصيحتها أخيرا وهي بالواقع أوامر صدرت من قبل الظلاميين بالتقيد بملابس جاهلية فرضت على جميع النساء ، ومنذ سنتين أصبحت أشبه بسعلاة مخيفة بهذه الملابس التي ماعادت تفارق جسدي عندما اذهب الى الجامعة ، في غضون أسابيع بعد سيطرة الخفافيش على مؤسسات المدينة وممتلكاتها ، شعرت كأني بمدينة لا أعرفها ، ليست هذه الموصل الحدباء ، إنّما مدينة بزغت فجأة من عصور مظلمة ، كأنها عجوز شمطاء ! يافطات سود تملأ الشوارع عليها شعارهم المريب ، ورجال أغراب بملابس أفغانية ولحى بشعة وضفائر طويلة يحملون أسلحة فتّاكة يجوبون الأسواق والأحياء السكنية ومن عيونهم تتطاير قطعان غربان تنعب بوجوه الجميع ، حتى الجامعة تحوّلت بغفلة عين الى سجن رهيب ، وقاعات الدرس بدأت تخلو يوما إثر آخر من زملائي الطلبة ، ثم إختفى فجأة "يونس " ذلك الطالب الجامعي المهذب الذي كان يجلس بجواري اثناء المحاضرات ، كنت أضمر بقلبي عشقا نقيا له ، وعرفت من زميلة مقرّبة انه إنخرط معهم بعد ان غرروا به وأصبح يحمل ساطورا لجز رقاب الأبرياء وقد أطلق لحيته وإستبدل إسمه من يونس الى أبي طلحة الجزيري ، ليس هذا فحسب ، بل تغيرت مناهج الدراسة ، وتوقيتات المحاضرات ، طالما يداهم المحاضرة مجموعة منهم مهددين ومتوعدين ، كما ان أساتذة الجامعة اطلقوا لحاهم على مضض حتى يتجنبوا حفلات الجلد والطقوس الدامية لجز الرؤوس ، وتحوّلت مختبرات علمية الى منابر قميئة يلقون منها خزعبلاتهم علينا ونحن لاحول ولاقوة ، في كل قسم هناك جامع ومؤذن ، لا احد يتخلف عن مواقيت العبادة ، في قاعة شبه مظلمة يحشرون الطالبات لتأدية الصلوات والإستماع الى إرشاداتهم الدينية المتطرفة ، ذات يوم تأخرت احداهن عن موعد الصلاة فتم جلدها امام انظارنا بخمسين جلدة من قبل أمرأة كأنها دبابة ومغطاة من رأسها حتى أخمص قدميها بالسواد ، بينما إنتشرت مجاميع نسوة ملفعات بسواد يحملن " كماشة" وهي آلة نحاسية يضغطن بها على اجساد السيدات اللواتي لا يتقيدن كليا بإرتداء الملابس السوداء ، رأيت بعيني كيف ان الكماشة اللعينة قرصت جسد فتاة مراهقة بقسوة لأنها نسيت ارتداء قفازتيها ، تصرفاتهم الوحشية جعلتني أكره نفسي وفقدت شهيتي بمواصلة الحياة ، بعد ان اخبرني الجيران بتفاصيل ذبح مراهق وسط ساحة الحي من قبل جزّار شيشاني ، لأنهم ضبطوا المراهق يستمع الى أغنيات أجنبية ! طباع أهل الموصل إنقلبت رأسا على عقب ، جارنا الآخر كان قبل احتلال الدواعش للمدينة ، نسمع من حديقته كل مساء أغاني عبد الوهاب وأم كلثوم وفريد الأطرش ، بينما تحوّل مرغما لسماع التواشيح الدينية الآن ، فكّرت بالإنتحار نتيجة قنوط وكآبة شديدة تحتويني ، لكني تراجعت عن هذه الفكرة ، وقررت مع بعض زميلاتي الطالبات القيام بمغامرة خطيرة للإنتقام من هؤلاء الهمج ، بعد ان جاء احد هؤلاء الوحوش الى قاعة الدرس وعرض علينا ضرورة الإنخراط بجهاد النكاح ، وأمهلنا يوما واحدا لإتخاذ القرار ، على إثر ذلك تركت الجامعة مع معظم زميلاتي ، وبدأنا بمغامرتنا الخطيرة ، كل واحدة تنفذ الفكرة بطريقتها الخاصة ، اذ نجحت بإستدراج احد هؤلاء القتلة الى منزلنا بعد الإتفاق مع والدتي على خطّة مقتله ، كان القاتل من جمهوية الصين الشعبية ، تركته بغرفة الضيوف ثم عدت حاملة قدح عصير برتقال ممزوج بزعاف فتّاك ، بعد ان كرعه الى نهايته ، لم يصمد سوى ثلاث دقائق ولفظ أنفاسه ، بينما تولى ابن جيراننا مهمة التخلص منه ، بعد ان حمله في سيارته وحرقه مع اكوام القمامة عند اطراف المدينة ، نجحت من زهق عشرة أرواح شريرة منهم بغضون شهر ومن جنسيات مختلفة ، اجل لقد اصبح ديدني هو الإنتقام من هؤلاء الوحوش ، مادمت اتنفس هواء فاسدا بمدينتي بسبب عفونتهم التي لا تطاق ، ولا أظن اني سأخفق بمغامرتي هذه ، سيقف الله معي حتماً ، مادمت احلم بحياة أخرى لمدينتي الحبيبة نينوى الخضراء
مقالات اخرى للكاتب