في كل ليلةٍ كنت أراه يسير على رصيف الشارع,مرتدياً ملابس عاملٍ بسيطة ,كان يسير في جانب الشارع المقابل للجهة الأخرى, والجهة الأخرى لذلك الشارع كانت تحتوي كل الأفرع المؤدية إلى منطقة الأنباريين في مدينة الكاظمية المقدسة .والجانب الذي يسير فيه توجد بهِ أجمل بيوت منطقة المحيط التي تطل من الخلف على نهر دجلة . يستمر في سيرهِ لغاية الوصول لما كان يسمى (الترفك لايت), أي التقاطع في نهاية شارع المحيط , ماراً بكل البيوت الراقية هناك , كذلك ينظر باستمرار إلى معمل النسيج الواقع على أحد جانبي الطريق . طريق عودتهِ من السير هي نفسها , ولكنه لا يكلم أحداً , حتى وان صادفه في الطريق . كذلك لم يكن أحد يملك القدرة والشجاعة للسؤال , لكون تلك المنازل وبالتحديد في جانب نهر دجلة يسكنها أناس أغنياء وشخصيات معروفة . ومنها بيت (الوتار) وبيت (بوتان) وبيت الدكتور (وليد الخيال) وغيرهم.
في أحد الأيام وبطريق الصدفة كنت موجوداً في منطقة (باب الدروازة) , شاهدته وكان الوقت عصراً ,ومشيت خلفهُ لغاية المكان الذي كان يوجد فيه دائرة تجنيد الكاظمية , وهناك ركب سيارة نوع (كورولا حمراء) . تلك اللحظات كانت تقرباً في عام 1994 . وبعدها بسنوات وبالتحديد في منتصف عام 1998 , كنت متواجداً في فندق الشيراتون ,وسبب الزيارة كان تقديم هدية لأحد الأصدقاء المتزوجين , ممن قضى أجمل ليلة في العمر بذلك الفندق . وفي قاعة الاستقبال التقت بصديق أخر لم أراه منذ سنوات , وجلسنا ودار حديث طويل , وبالصدفة تذكرت الشخص في الكاظمية . فاستفسرت عنه فكان الجواب في البداية ضحكةُ مميزة و وبعدها قال لي :.(كان هناك في أحد الأفرع , وفي بيت من تلك البيوت يسكن السيد علي طهراني) , كان جوابي مسرعاُ بأني أعرف بهذا الأمر , لكونهِ شقيق زوجة السيد علي خامنئي , وطلب اللجوء للعراق بعد أن تحول للمعارضة الإيرانية في أثناء الحرب العراقية الإيرانية . وهو أستاذ في المعرفة درس في النجف الأشرف,واحد المشاركين في الثورة الإيرانية عندما بدأت , من مواليد 1932 في خراسان).
أجابني الصديق ( نعم كلامك صحيح , ولكن ما لا تعرفهُ بأن وجوده كان لابد أن يكون متابعاً ومراقباً بصورة دورية وعلى مدار الساعة . وهنا لابد من تواجد مختلف الأجهزة , والشخص الذي كنت تراه وهو الآن على ما أظن خارج الخدمة , هو أحد عناصر جاهز امني حساس , مهمته تتطلب بوقتها المراقبة والاستطلاع بكل مكان قد يكون خطراً أو جمع معلومة مهما كانت , والغاية توفير غطاء معلوماتي يساعد الأجهزة الأخرى للتحرك عند الحاجة ) ..!!
لا أريد الإطالة , ولكن الغاية من القصة . ما نراه اليوم من تصرفات بعض رجال الشرطة , أو أي جهازي أمني أخر لابد له من إشهار عنوانهُ الوظيفي بكل الطرق . ولعل أبزرها حمل السلاح بطريقة ليست حضارية , لغاية المرور بالسيطرات والصراخ بأعلى الصوت بأنه من جهاز أمني ..الخ . هذه التصرفات ببساطتها لدى البعض هي أساس مهم للفشل في الكثير من مراحل المستوى ألامني والاستخبارتي و ألمخابراتي في العراق . وهنا لسنا بصدد مدح جهازِ أو نظامٍ أو مسمى خاص , بقدر أن العبرة في أي عمل معلوماتي تكون الأولوية هي (كيف تبعد عنك أنظار الناس , من اجل أن تحصل على معلومة أو توفر شيء مهم للجهة التي تمثلها) ..!
وسلامات يا عراق .. اخ منك الساني