يفخر العالم المتحضر بمفكريه ويحتفي بهم كرموز دالة على الثقافة والتمدن في هذا البلد أو ذاك بغض النظر عن حجم ما قدم هذا المحتفى به من جهد فالبلدان المتحضرة تعنى بالنوع لا بالكم .
وحكومات هذه البلدان تشارك في هذه المناسبات بالمال ربما أو حتى بأضعف الايمان وهو عدم الاعتراض والمضايقة .
ألشيء الملفت للنظر في تاريخ الشعوب المتحضرة انها لا تضع مفكريها في خانات الانتماء لفترات سياسية معينة بل تعتبرهم أبناء كل تاريخ البلد ماضيا وحاضرا ولاحقا . والشيء نفسه ينطبق عندهم على قادتهم المدنيين والعسكريين وعلمائهم وفنانيهم .
أتذكر الاتحاد السوفييتي وريث الثورة البلشفية التي أطاحت بالنظام القيصري لم تطح بتاريخ القائد العسكري كوتوزوف الذي حارب تحت لواء القيصر ضد الغزو النابوليوني ، بل على العكس تجد الشعوب هناك على اختلاف اعراقها تمجد فكر واعمال هذا الرجل .
والروس بعد البيريسترويكا لم يقتحموا ضريح لينين ولم يعبثوا بجثمانه ، ولم ينزلوا نصب فلاديمير مايكوفسكي شاعر الثورة الشيوعية من اعلى منصته ليقطعوه أوصالا !!!!!
في انجلترا التي يحب شعبها الملكة ويكن لها احتراما عاليا ، لا يزال تمثال اوليفر كرومويل منتصبا ويخضع للصيانة اللازمة من قبل الجهات الخدمية .
في بلدان اخرى نجد الامثلة الكثيرة على هذا الكلام .
ألسؤال :- من أسس ورسخ هذا السلوك المتحضر في نفوس شعوب
هذه البلدان ؟؟
بكل الاختصار يكون الجواب :- بالتأكيد ليس الحكومات ..أنما المفكرون .
المفكرون هم اصحاب الفضل في هذه الثقافة لذلك ترى الشعوب ترد لها الجميل من خلال اقامة الاحتفالات والندوات والتكريم باختلاف صوره .
أسوق هذه المقدمة بمناسبة تبني مؤسسة المدى الاحتفاء بالمفكر المبدع وصاحب القلم الحر عادل كاظم .
لم يظهر الرجل فجأة الى سطح الثقافة ، كما حال بعضهم ، فالمثقف العراقي يعرف جيدا تاريخه واعماله وخطواته في طريق تاسيس ثقافة حرة كمن يحفر في الصخر صابرا مستمتعا بزرعه ليثمر عطاءا .. للخير بكل تاكيد.
كانت الندوة بسيطة في امكانياتها على رغم الحضور الكريم والمحترم لكنها لم تتعد بضع كلمات أطراء . ربما يعود هذا الى الامكانيات المالية للمؤسسة . لا ادري .
أن الاحتفاء بالمفكر العراقي وبمكانة عادل كاظم لا بد وان يتجاوز حدود الندوة البسيطة .. الى المناقشات الواسعة حول اعمال هذا المفكر وأقامة معرض لاعماله واعادة طبعها بنسخ تكون في متناول الجميع من حيث الاسعار ...وتسمية قاعة باسمه في المكان المناسب .... وتكريم المحتفى به تكريما عاليا يليق به ويستحقه أجرا بلا منة على ما أسس من ثقافة في عقول الناس .
سؤال آخر :- لماذا يقتصر الحضور على العراقيين وحسب ؟؟
أليس بالامكان دعوة مفكرين عرب وغير عرب ليطلعوا على ثقافة هذا البلد الذي لا يسمعون عنه غير القتل والقتل والقتل ؟؟؟!! ويروا بابصارهم وبصيرتهم مفكرين يبذلون عصارة عقولهم من اجل الحياة والحياة والحياة ؟!!
ألوضع الامني ليس عذرا .. المفكرون الاحرار يشاركون في ترسيخ الامن من حيث لا يفقهه ألمسؤول الحكومي .
والمكان ليس سببا في الاحجام عن مثل هذه النشاطات ...فالبلد غني بما يلزم .
أرجو ان لا يظن احد انني اوجه اللوم الى المدى واتهمها بالتقصير فقد فعلت مشكورة من سعتها واتمنى لها الاستمرار على هذا النهج بكامل الحيادية .
أللوم كل اللوم يقع على وزارة الثقافة التي لا تتذكر المبدعين الا يوم وفاتهم ، ربما ،باحتفال متواضع يذهبون بعد برهة منه الى النسيان .
والسؤال الاخير :- هل توجد في العراق وزارة ثقافة ؟ واذا كانت موجودة فمن هو وزيرها وما هي علاقته بالثقافة ؟؟
أقول قولي هذا ......والى اللقاء .!!!
مقالات اخرى للكاتب