لن يحتاج المراقب كثيراً ليكتشف إن نسبة الضحايا من المسؤولين و عائلاتهم لا تتعدى 0.001 % ، وهو يعني ان هناك 10 ضحايا لكل مليون ، مضافاً إليها ملايين من الجرحى و المهجرين والأرامل واليتامى !
ومعظم هؤلاء الضحايا من المسؤولين تمت تصفيتهم من قبل جهات سياسية صديقة وحليفة ومشاركة في العملية السياسية بشكل مباشر أو بالتواطؤ مع جهات سياسية في "المعارضة المسلحة" !
وهذا يعني إن الشعب هو الضحية الأولى لحرب تديرها جهات سياسية من اجل السلطة والنفوذ ، جهات محصنة بأجهزة الدولة العسكرية وبمخابرات إقليمية متعددة ، ومحصنة قانونياً أيضاً بسبب سيطرتها على القضاء بشكل كبير .
لم يعلن للرأي العام حتى الآن عن نتائج لجنة تحقيقية واحدة شكلتها الحكومة منذ 2003 وحتى اليوم ، وهذا يعني بشكل لا يقبل الشك أن السبب الوحيد لهذا الإحجام عن النشر هو لأنها تشير لتورط جهات سياسية في تلك الحوادث وملابساتها ، وايضاً ستفضح تلك النتائج ممارسات السلطة وفشلها وطريقتها في معالجة الأمور وعجزها عن تحليل المعطيات والوصول لنتائج حقيقية أيضاً ، وهو ما سيشير إلى فشلها ومسؤوليتها عن حماية أرواح الناس بشكل مباشر ، لذلك تطمر تلك النتائج دائماً بسبب الصفقات التي تنتج عن ذلك تحت شعار " الدفن " المتبادل .
حوادث مفصلية جرت وبقيت بلا إفصاح عن ملابساتها رغم تسرب الكثير من الأخبار عنها ، الأخبار التي تبطل العجب بمعرفة السبب في امتناع الدولة عن الإعلان عن النتائج ، لكنها تبقى تسريبات لا يمكن الوثوق بها تماماً ونحن مازلنا ننتظر النتائج الرسمية لتلك اللجان !
لماذا لا يجتهد الساسة في حمايتنا كما يجتهدون في حماية أنفسهم ؟ وهل ستكون ردود أفعالهم هي ذاتها لو إن الضحايا الذين يتساقطون كالأضاحي من أبنائهم ؟ لا اعتقد ذلك طبعاً خاصة وأنا استمع لتصريح مسؤول رفيع قائلاً " إن التفجيرات لا تشكل خطراً على الوطن وعلى الشعب " ، واجزم إن تصريحاته ستكون مختلفة لو أن النار المحرقة كانت قريبة منه .
النظام السياسي يأكل نفسه بنفسه ، وهو غير قادر على بناء دولة حقيقية ، ويحتاج لإعادة هيكلة شاملة وبشكل عاجل وتلك مسؤولية الشعب للضغط بقوة لإصلاحه ، فلا يمكن التعويل على القوى السياسية المستفيدة منه ومن هفواته .
القوى السياسية لا تستحي ولا تمتلك رادعاً أخلاقياً كما يبدو وهي تشاهد يومياً عشرات الإنفجارات التي تأخذ معها عشرات الضحايا ، فقد أعلنت يونامي اليوم ان شهر تموز هو الأكثر دموية منذ 5 سنوات وخسرنا فيه أكثر من 1000 ضحيةوأضعافها من الجرحى .
السياسي لا يستحي ولا طريق لإصلاحه سوى الخوف والمحاسبة ، لكن من أين يأتي الخوف وهو يفرض سيطرته على السلطة القضائية !
من أين يأتي الخوف وهو يعرف بلا مبالاة الشعب الذي أنهكته الحروب والنكبات،وقسمه الساسة طائفياً وعرقياً ولعبوا على ذلك الانقسام بمهارة .
أغلب من يحكم اليوم هم من المعارضة السابقة ، وعندما استهدفهم النظام السابق نتيجة "نضالهم" تركوا العراق وعملوا بأسماء مستعارة خوفاً من الاستهداف لكنهم حين امسكوا بالسلطة ومكاسبها وحماياتها وحصانتها فعلوا فعلته ، فلا يهمهم ان يموت الجميع مادام كرسي السلطة بأمان ، إنهم شركاء اصلاء في قتلنا ، لأن حمايتنا تقع على عواتقهم شرعاً وقانوناً .
لقد أغتيل عز الدين سليم وعقيلة الهاشمي وأولاد مثال الآلوسي وضاري الفياض وصالح العكَيلي ومحمد عوض وحارث العبيدي وخليل جليل حمزة ومحمد مصبح الوائلي وعيفان العيساوي ، ربما نسيت واحداً او اكثر لكن المهم ان العدد لا يتجاوز ذلك بكثير ، وأغلب هؤلاء المغدورين وربما جميعهم اغتالتهم جهات سياسية مشاركة في العملية السياسية بصورة او بأخرى سواء بشكل مباشر او بالتواطئ او بتسريب المعلومات .
ان اغلب المدعين بالحق الشخصي اتهموا جهات سياسية متنفذة بإغتيالهم وربما سموا بشكل مباشر من قام بعملية الإستهداف وفي مناصب رفيعة في الدولة كما هو مع السيد مثال الآلوسي .
ونادراً ما اتهم اصحاب الحق الشخصي لهؤلاء النواب او المسؤولين ، جماعات ارهابية كالبعث والقاعدة ، لكن السلطة تقول منذ 10 سنوات انهم من يقتلكم يومياً ، فيما هي تعجز عن الإيقاع بهما!!!
مئات الضحايا من الصحفيين والكتاب والمثقفين اغتالتهم جهات سياسية ايضاً لإنها تراهم خطراً عليها !
لو اجتهد الحكام والساسة في حمايتنا كما يحمون انفسهم وعائلاتهم لتحقق الكثير من الأمان في مدننا المحترقة ، لكنهم يعرفون ان الإنقسام والأزمات والموت اليومي للمساكين هو اكسير السلطة الذي يعيشون عليه .