الطيور في مدننا لا تحبنا , وتهرب منا , وكأنها تعرف طاقة العدوان المختزنة فينا تجاهها!!
ففي مدينتنا كان القطا رفيق طفولتي , وما أن غدوت صبيا حتى إختفى القطا , وغابت أسرابه الجميلة التي كانت تحوم حول المدينة في طريقها لشرب الماء , وذلك بسبب البنادق التي تترصد الأسراب وتقتل المئات منها , أو تكمن لها عند الماء فتبيدها بإطلاقات الصيد ذات الرصاص الناعم.
وصار القطا من الطيور النادرة في مدينةٍ كانت تعج بالقطا المتوافد إلى مياهها من "الجزيرة".
وفي الشمال هناك طائر جميل يسمى "القبج" الذي يتم صيده بلا هوادة , وبأعداد غفيرة , وهو يكافح من أجل البقاء , ولا يعلم إلا الله هل سينقرض هذا الطير الجميل في وقت قريب أم لا.
واليوم نسمع عن مذبحة الفلامنكو في جنوب البلاد , وهو من الطيور المائية الجميلة النادرة , والذي تأويه جميع حدائق الحيوانات في العالم , وهو طائر مسالم وديع , لكنه أخطأ في مجيئه إلى الأهوار, التي وجد نفسه فيها أمام بشر يعادي الطيور ولا يرحمها , ولا يعترف بجمالها , بل يتباهى ويتفاخر بكم قتل منها , وبطيبة لحمها و "تشريبها".
وأذكر في أسواق الناصرية والعمارة , كنت أشعر بالألم والحزن على أعداد الطيور المذبوحة والمسلوخة المكدسة في العربات , فالطيور المائية بأنواعها تجدها أما مذبوحة أو حيةً تباع في الأسواق , وبأعداد كبيرة , حتى ليُرمى العديد منها في النفايات أو للكلاب لعدم بيعها , وغياب قدرات الحفاظ عليها في الجو الحار.
فلماذا يتم قتل الطيور المائية بهذه الشراسة؟
ولماذا لا توجد ضوابط وقوانين للصيد؟
فالمجتمعات المتقدمة لديها مواسم للصيد , يحدد فيها العدد , ولا يُسمح للشخص بصيد أكثر من عدد ما , وحتى في صيد الأسماك هناك قوانين وضوابط تحدد أي نوع مسموح بصيده وأيها غير مسموح به , وهناك غرامات شديدة على مَن يخالف الضوابط.
وفي مجتمعنا صارت الأهوار إرثا حضاريا إنسانيا عليه أن يكون تحت الحماية الدولية والوطنية , لكنها على ما يبدو بلا ضوابط ولا قوانين تنظم وتحمي الطيور والحيوانات الأخرى التي تأوي إليها , فما هو جمال الأهوار وقيمتها إذا إنتفت فيها حياة الطيور المائية.
إن المطلوب وضع ضوابط وقوانين رادعة , ونشر التوعية الكفيلة بالحفاظ على البيئة بمفرداتها الجمالية , وعدم السماح بتكرار مجازر الفلامنكو والبط وغيرها من الطيور المائية , التي علينا أن نأنس بها ونحترمها ونرعاها , وننظم صيدها.
فالمجتمعات التي لا تأنس فيها الطيور ولا تأنس بالطيور , مجتمعات عدوانية متوحشة تناهض الحياة وتسعى للخراب.
فهل من رأفة بالطيور , لكي نتعلم الرأفة بالبشر؟!!
مقالات اخرى للكاتب