نشأنا على هذا المبدأ والسلوك والعقيدة والمرض الذي أصاب الأمة بأجيالها المتعاقبة.
و "هو"...تتخذ عناوين ومسميات متنوعة متعددة ومتضاربة.
هو الذي...
ويبدو أنها ترتبط بصيحة "هو الذي رأى"...التي تجاوبت في أرجاء المسيرة الحضارية في بلاد ما بين النهرين وبعدها...
فنحن تعودنا إقران "هو" بكل شيئ يمت بصلة إلينا...
هو الذي ضرب , هو الذي ظلم , هو الذي فعل , هو وهو...وهل مَن قال أنا؟!
إنّ آلية "هو" هي التي تهيمن على تفكيرنا وسلوكنا بصورة عامة.
فعندما نجلس مع بعضنا ترانا نتحدث بلغة "هو" , وكلّ منا يتنزه ويتنرجس , ولا يمكنه أن يكون غير ذلك...!!
وتلك حقيقة مأساوية فاعلة في وعينا وأعماقنا, ونأبى أن نواجهها ...
ويمضي العمر ونحن نردد "هو" ولا ندري مَن "هو"؟!!
لأن "هو" المقصود , يعني أنا وأنت أو نحن...
لكننا نأبى أو نخشى أن نعترف ونهرب من أنفسنا , وندفن رؤوسنا في رمال "هو"...
هذه العلة الحضارية المزمنة ذات التداعيات المتضاعفة , تبعدنا عن أنفسنا , وتجهّلنا بحقيقتها حتى نتفاداها , ونريح ضمائرنا بإسقاط ما فينا على "هو"...
وفي كلّ مرحلة نخترع قميص "هو".
ولو تأملنا القرن العشرين , لأدركنا كم قميص على قياس "هو" قد اخترعنا!
إبتداءً من المستعمر , والطامع , والمتآمر والخائن , والطاغية والحزب والفئة والمجموعة , إلى الأفراد والرؤى والتصورات , وما لا يُحصى من مسميات "هو" التي يُسعدنا إختراعها والتمتع بها.
حتى صرنا نحتسي خمر "هو" كل صباح , لكي نستطيع أن نتفاعل مع يومنا.
إن إرتداء قميص "هو" قد أخذنا إلى بيداء الخراب والدمار والإحتضار الحضاري.
وماعدنا قادرين على التعايش مع بعضنا.
وجعلنا نميل إلى الإفتراق لا الإجتماع , والصراع وليس الإتفاق.
وأن يكون كلّ منا بريئا ويرمي بأخطائه وعجزه وخطاياه على "هو" , الذي يختاره ويلبسه قميص فشله وجرائمه وما يحصل من حوله.
ولا يمكن لمجتمع منهمك بخياطة قمصان "هو" , أن يعرف الحياة ويصنع وجوده الحضاري المتميز , وإنما آليات "هو" ستأخذه إلى حيث يتوجب الإنقراض.
فهل من صحوة حضارية , ويقظة نفسية , وشعور بالمسؤولية؟!
مقالات اخرى للكاتب