التظاهرات المتعاقبة الواحدة تلـو الأخرى التي لا تنفك تتوالى كما ونوعا هنا وهناك في أيام الجمع والعطل ، قـد لن تقف عن حد معين ، حيث تتجدد فيها الهتافات وتتنوع فيها المطالبات بين حين وآخر بلا انقطاع ، في خضم تزايد الاحتجاجات الشعبية الساخنة الداعية إلى التغيير والإصلاح ، فان القدرة على تحقيق ذلك شيء اقرب ما يكون إلى المستحيل ، بمجرد تغيير الأشخاص والوجوه حتى وان توفرت النية .هـذا ما اجمع عليه رجال كبار في السن و التجربة أعمارهم ما بين السبعين والثمانين عاماً ، وهم من رواد مقهى الحي السكني المواظبين على اللقاء اليومي ، فقلت لهم إذن ما الحل نظركم ؟ وكيف السبيل للخروج من هذا المأزق الخطير ؟ رمقني احدهم بنظرة حادة ، لم أجـد لها أي تفسير بادئ الأمر ، حتى قاطعني احدهم بنبرة واثقة قائلا : – الحل يكمن أساسا في تغيير العملية السياسية برمتها ، بعد أثبتت فشلها الذريع ، واخذ جميع الحضور يهزون رؤوسهم مؤيدين ومناصرين لرأي صاحبهم ، وكأنهم منحوه تفويضا مسبقا بالحديث نيابة عنهم ، في الحقيقة ساعتها كنت شديد الانبهار و الاستمتاع في مكاني بين رجال كبار ناضجين تماما ، أصغي بانتباه لما يدور في خلدهم من وجهات نظر وتحليل لمستجدات الأحداث وتطوراتها ، فوجدتهم أكثر وعيا وأعمق إدراكا مما أتصور ، وشارك آخر في الحديث بقوله : – ثمة حقائق لايمكن تجاهلها إذ لا تخفى أطلاقا على اللبيب المتتبع لمجريات العملية السياسية وما وصلت إليه من منعطفات وطرق مسدودة ، لم يعـد الاستمرار معها بأي نتيجة طيبة ، بحيث يتم توخي منها أدنى قيمة وفائـدة تذكر ، وقد حان الوقت لإعادة تقيمها من زوايا ومفاصل ونواح متعددة ، تمهيدا لتصحيح الكم الهائل من الاعـوجاج والانحراف عن جادة الصواب . . ، ثم سـاد صمت مطبق بيننا استمر لحظات قطعه الرجل الجالس إلى جانبي قائلا : – إن ذلك الأمر يتطلب التحضير لعـقـد مؤتمر وطني عام ، يتمخض عنه إعادة كتابة الدستور من جديد ، وإلغاء المحاصصة التي تمثل لب المشكلة ، والتمسك بدولة المواطنة.. وتابع قـوله : إذ لا معنى التصرف بدوافع طائفية أو على أسس مناطقية أو ركائز عشائرية ، ولا مبرر أيضا من شيوع الثقافة الانتهازية التي استشرت كالوباء و التي دفعت البلاد إلى دهاليز الفسـاد وتسلط علينا غـول الإرهاب ، ولا يمكن السماح لأحـد مهما كان أن يجـرنا إلى انجازات وهمية لا توجـد إلا في خيال بعض السياسيين الذين يسارعون بالظهور في وسائل الإعلام ، باعتبارهم اللاعبين الرئيسين في الساحة السياسية المحلية ، ومعهم المنحازين لاجنداتهم بقـوة و زخـم كبيرين ، مما يعني استمرار بقائهم في مواقعهم ، معرقـلين أية جهود ومساع لتصويب مسارات و مديات العملية السياسية التي باتت مرفـوضة بشكلها الموضوعي الحالي .
مقالات اخرى للكاتب