أي عبث هذا الذي يدور داخل أروقة مجلس النواب؟ الجهة التشريعية تحولت إلى مضخّة تنتج كل عوامل الاحتقان الطائفي والكراهية ، وإشعال النيران في أروقة الوطن.. وإلا ما معنى أن تتعطل كل القوانين.. وأن يغلق المجلس أبوابه ونوافذه لأن البعض يريد أن يلعب بورقة قانون المساءلة والعدالة.. وأن كثيرين من أعضاء المجلس مصرّون أن تعيش الناس على حافة الهاوية،. وان تظل البلاد فوق بركان يتطاير منه الشرر في كل ثانية.
كنت ومازلت كلما أقرأ خبرا أو بيانا يتعلق بهيئة المساءلة والعدالة، أتساءل ما الفائدة التي تعود على العراقيين من قرارات اجتثاث مسؤولين مارسوا الوظيفة لسنوات طويلة، ثم فجأة انتبه القائمون على الهيئة إلى كون هؤلاء مشمولين بقرارات الاجتثاث؟ لا شيء ، اللهم إلا لتضييع وقت الناس في سجالات وخطب كلامية تملأ أوقات الفراغ بالصراخ والشتائم وتؤزّم الوضع السياسي الذي في طريقه إلى الانفجار.
وأزعم أن السادة النواب " الموقرين " يعون جيدا أنهم يدخلوننا معهم كل يوم في نفق مظلم ، حين يسعون إلى حرق كل جسور التوافق والتسامح والمحبة بين العراقيين.. وإعادة البلاد كل يوم إلى نقطة الصفر، والإصرار على استمرار حالة الشلل التي تضرب مفاصل مؤسسات الدولة، فيما يواصل المجلس وأعضاؤه لعبة الفرار من استحقاقات حقيقية ينتظرها المواطن سواء في ملف الأمن أو ملفات الخدمات.
ودعونا نتساءل بعد ما سمعناه وشاهدناه من مساجلات كوميدية داخل مجلس النواب عن أيهما أولاً قانون المساءلة أم تجريم البعث، وهل نحن مجبرون على متابعة حلقات معادة ومكررة من مسلسل ساذج وممل اسمه "قوافل المنسحبين من جلسات البرلمان"؟ فالكل يعرف جيدا أن نوابا ومسؤولين كبارا في الدولة ومقربين من مكتب رئيس الوزراء لم تقترب منهم جرافات هيئة المساءلة والعدالة، والكل يعرف أن سيناريو الاجتثاث يمضي كل مرة على النحو الآتي: حالة من الصمت المؤقت تخيم على المعسكر المؤيد للاجتثاث، تقطعها تصريحات عابرة لمسؤولين كبار في الحكومة، مفادها أن الأمر قيد الدراسة ومطروح على الطاولة، وفي هذه الأثناء سيكون الطقس السياسي متقلبا وعنيفا وهادرا في كل الاتجاهات، إذ تنشط رياح كتلة دولة القانون بغبار معارك وهمية، ويرتفع موج التصريحات العنيفة على ضفة العراقية، مع استدعاء أصوات لسياسيين لم يسمع بهم أحد من قبل، وسط كل هذا تؤدي الحكومة فاصلا من الألعاب السياسية الطريفة، من عينة أن هيئة المساءلة والعدالة مستقلة في قراراتها ولا تخضع لأي جهة سياسية، لكنّ الهيئة نفسها تصبح غير مستقلة وظالمة لو أنها اقتربت من أحد "أحباب" المالكي!
لقد كان أمام المجلس فرصة ليحرر البلاد والعباد من دائرة العبث، لو أنه التزم بالحد الأدنى من التوافق على مشاريع تخدم المواطن البسيط وتحسن وضعة الاجتماعي وتشعره بالأمان.. ولو أن السادة النواب نحّوا جانبا مصالحهم الشخصية الضيقة لصالح المصلحة الوطنية، لكنها الرغبة في العبث التي ربما تتفوق على ماعداها من كوميديا سوداء نصحو عليها وننام.
كانت مهمة مجلس النواب أن يضمّد جراح الوطن والمواطنين فإذا به يعمّقها، وأن يوحّد العراقيين فإذا به يقسمهم ويفتتهم، وشتّت ولم يلمّ الشمل، وعزّز بممارساته وقراراته وانحيازاته الحزبية الضيقة الانقسام والتشرذم، وفشل في الاحتفاظ بالشراكة الوطنية التي أصبحت أغنية مملة يرددها النواب من على شاشات الفضائيات فقط.
الطائفية هي التي تحدد موقف نوابنا من كل القضايا.. ما دامت هذه الطائفية تجلب لهم المكانة والمنصب والمال. . يتصارعون تحت قبة البرلمان على موقع: من هو المظلوم؟ ونرى الجميع يدخل المزاد لإثبات أن طائفتهم هي الأكثر مظلومية. هكذا أصبحت الهوية الدينية حاضرة بقوة داخل مؤسسات الدولة؟ والجميع يتصور أن هناك خطراً على العقيدة، و أصبحت الطائفة أهم من الوطن، والتعامل بمنطق الجماعات المغلقة هو السائد.. الكل يتوهم انه يخوض حرباً مقدسة، ليغطي عجزه عن الحروب الأساسية ضد الاستبداد والفساد وغياب الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية.. الكل يلعب بالسياسة لتحقيق منافع أوسع.. الكل يخوض حروبه لصالح موقع في السلطة.. ونجدهم بدلا من البحث عن خصوم حقيقيين، يسعون إلى صناعة أعداء وهميين.. وبدلا من الصراع داخل البرلمان لوضع قواعد ديمقراطية تضمن حقوق جميع العراقيين.. نجدهم يتحولون إلى زعماء باسم الطائفة.. رغم أن معظمهم ليسوا بسياسيين ولا يفهمون ابجديات السياسة.. يريدون من الناس ان تعيش مناخاً يعلّي الطائفية، ويغوي كل من يجد في نفسه ميول زعامة سياسية سهلة.
كنا نتمنى من مجلس النواب أن يهتمّ بمناقشة قوانين ترتقي بمستقبل العراقيين، وأن يرمي أعضاؤه المبجّلون الماضي وراء ظهورهم وأن يكون همّهم الوحيد وجود عراق ينعم أبناؤه جميعا بالعدالة والحرية والقانون... والأهم كنت اتمنى ان يناقش السادة النواب حملة اجتثاث البرلمان التي يقودها مكتب رئيس الوزراء ومحاولات تعطيل الدوره التشريعي لمجلس النواب .. لكننا وجدنا انفسنا نعيش في ظل مجلس نواب يكرر تجارب "القائد الضرورة" في الحكم ويصرّ أعضاؤه على مسلسل الثأر من ماضي العراقيين.
مقالات اخرى للكاتب