تحدث في العراق مفارقات غريبة جدا فكل شيء مرشح للانفجار الا قدرة السياسيين على المصالحة مع أنفسهم، يعيشون ازدواجا لشخصية الزمان و المكان و لا يحسنون التصرف في واحدة منها، لذلك انهار المتبقي من الأمل في اصلاح ذات البين من داخل رحم العملية السياسية، التي يريدونها عرجاء و متملقة و خرساء وفصيحة اللسان.
يختلفون على التفاصيل و يتركون المضمون الرئيسي المتمثل بعدم القدرة على قيادة وطن بحجم العراق، يتصارعون على التعجيل بذبح الأمل في النفوس من خلال تمرير مفهوم ساذج وهو " ما البديل"، وكأن العراق لم ينجب غيرهم ، أو أنه لا بديل عنهم لقيادة المرحلة، رغم أن غالبيتهم العظمى لم تتفقه في الحكم أو السياسة.
يحولون خلافاتهم الشخصية الضيقة جدا الى بديل عن استقرار المواطنين، لذلك يسوقون المؤامرات و الانقلابات و يتهمون بعضهم بالتخوين رغم ركوبهم ذات القارب بكل تفاصيله غير المتجانسة، مستفيدين من انشغال المواطن بعيدا عن اخفاقاتهم لدواعي الخوف من الانتقام الممنهج و غياب هيبة الدولة، وانحراف قيم الولاء ، و تحويل المنصب الى وسيلة للنهب ، ما يجعل من تحريك المياه الراكدة ضرورة ملحة تتقترب من المحافظة على شرف كل العراقيين، بعد أن ذهب السياسيون بعيدا في رمي مصلحة الوطن وراء الظهور وخلف المتبقي من الأبصار.
يتحدثون اليوم عن انتخابات برلمانية يفصلونها حسب مزاجياتهم لذلك يتقاتلون على الرقم " 1" في القائمة و كأنه شهادة لحسن سلوك، بينما الصحييح أن أحدا لا يريد قيادة الأخر، حتى لو ولدوا من رحم سياسي واحد، لذلك تراهم في حالة استنفار قصوى تضعهم في سوء التقدير و التصرف، فتصدر عنهم المواقف العجيبة التي تقطع حتى صلة الرحم، ما يكشف عن خطورة المرحلة الانتقالية الحالية، التي يريد كل فريق تحويلها الى طوفان سياسي و أمني دون الأعتبار بحجم الكارثة المحدقة اذا تأخر المواطن في قول كلمة الفصل.
لقد اصبح نموذج الحكم في العراق و سيلة للفكاهة و التندر داخليا و خارجيا، حيث المواقف لا تعبر عن معرفة بأصول ادارة الدولة، و التحديات أكبر من مهنية المخططين و المنفذين، و الأخطر أن كل فريق يزرع للأخر الغاما متفجرة عند كل زاوية، لذلك لن يستقر العراق بفلسفة الحكم الحالية بل على العكس ستتداخل الأزمات مع بعضها، بدراية أو تخطييط أو سوء معرفة، لتقود في النهاية الى مآساة انسانية خطيرة في تفجير الأوضاع بحطب مزاج المواطنين.
ولكي لا تبقى الأبواب مفتوحة على تساؤلات " ما الحل "، فانه من واجب المرجعيات العاقلة تثقيف المواطن باتجاهات جديدة تضع الهوية العراقية في مكانها الصحيح لينزوي ما غيرها من علامات للتفرقة و الفتن، و رفض فكرة القبول بالأمر الواقع لأن الشعوب هي المسؤولة عن مستقبلها، وأن كبوة الاحتلال ليست فريدة من نوعها، وقد دفعت الشعوب ثمنها للفوز بكرامتها و حريتها، ما يجعل من انتفاضة شعب العراق واجب ديني و مسؤولية تاريخية، لأنه اذا واصلت المور السير في نفس الأواني المستطرقة فان الحلول المستقبلية ستكون باهظة الثمن، لأن المستهدف هي أخوة العراقيين قبل المال و الثروات، فابنهيار هذا الجسر الكبير، لا سامح الله، سيكون الطوفان مدمرا.
من المعيب السكوت على سلوكيات سياسيين يستنسخون أنفسهم و قوائمهم و شعاراتهم و كأنهم الحل و الخيبة في وقت واحد، مثلما بات من الملح جدا تسمية الأمور بما يناسبها من مفردات، العراق على مفترق طرق لأن صناع القرار فيه لا يخافون على مستقبله بقدر اهتمامهم بمصالح غيره، لذلك لا يوجد حبل وصل بينهم و شعب العراق، كما أن هذا الأخير ما عاد مهتما بمعرفة حتى اسمائهم ، وهي أم الكوارث عندما يتسيد المغيبون المشهد!!
مقالات اخرى للكاتب