وسط حماسه من يتعرف لأول مرة على امرأة هي ليست أمه ولا أخته بل هي من بين كل النساء قررت أن تمنحك قلبها !وحينما تحب امرأة تحاول ان تكون على احسن ما يكون وعليك ان تكون مثقفا ! يضاف الى ما تملك من حماسه الولوج الى عالم السياسة والتعرف ايضا على الجديد (الفكر، العلاقات بين الرفاق، الجاذبية الثورية) ويستوجب ان تكون (مثقفا) فهل يتحمل من لا يتجاوز عمره خمس عشرة سنة كل هذا التفوق العاطفي والفكري ؟،ما كان عليه ان يستوعب (الاكتشاف الجديد اجتماعيا وسياسيا الممزوج بالرهبة والخوف) لو لم ينتم الى الحزب الشيوعي، حزب الشهداء ،والتضحيات،وأول مصطلح كان يتداول إمامه هو (الأممية) ومثلما يقدس هذا المصطلح الشيوعيون كان يبغضه الآخرون (البعثيون) ويمجدون بدورهم مصطلح (القومية) بينما يسخر من الاثنين الإسلاميون ويرون في الإسلام دين القومية العربية وخلاص الأمم الاخرى من الكفر والضلالة والضياع!الأممية ظاهرة أنسانية تستغلها من قبل الدول الاستعمارية ومن الايدلوجيات العالمية، فالاشتراكية أممية، والرأسمالية أممية والإسلام السياسي أممي، وحاليا (العولمة) أممية، وللوصول الى الإنسانية الأممية لا بد من استخدام البوابات المحلية.لقد غابت عني هذه الجزئية ،أو لم استوعبها جيدا من الحزب،فالبرنامج الثقافي الذاتي يبدأ عندي بقراءة رواية (البؤساء) لفكتور هيجو،ورواية (الأم) لمكسيم غوركي، وعشرة ايام هزت العالم (لجون ريد)، قبل ان أقرأ روايات (نجيب محفوظ) و(حنا مينة) و(يوسف أدريس) او روايات (غائب طعمة فرمان) و(فؤاد التكرلي) و(وعبد الخالق الركابي) ،كنا في سبعينات القرن الماضي نقضي الليل في النقاش حول الأنقلاب العسكري في شيلي وتحول (فيدل كاسترو) من الماركسية الى الشيوعية ،وعن مقاومة (هوشي منه) والقدرة اليسارية التي يمكن ان تحول شخص مثل (صدام حسين) من بعثي يميني الى يساري وحتى شيوعي ! كان لي صديق أكثرنا حبا و حماسا للشيوعية يقول بكل قناعة (سوف يغسلون دماغه) يقصد السوفيت – بريجنيف وكوسيجين- المسكين كان يظن بأن هؤلاء القادة يناقشون صدام بصحة النظرية الماركسية اللينينة وعدم جدوى نظرية عفلق ،وعندها يشعر صدام بالخجل وبالندم قائلا لهم (كان علي ان اكون شيوعيا فلا يمكن لمثلي ان يتوهم بأنه بعثي)!!بينما في الواقع ان ثروات العراق ومعاهدة الصداقة السوفيتيه العراقية والمصالح الاقتصادية والنفط ومناطق النفوذ كلها عوامل ساعدت صدام يغسل ادمغة بريجنيف وكوسيجين وغروميكو وحتى شاوسيشكو ويكسب صداقة كاسترو نكاية بالشيوعيين العراقيين ! لقد اغراهم صدام ومعهم شيوعيو المانيا الشرقية وبلغاريا ليديروا ظهورهم لما يتعرض له الحزب الشيوعي العراقي من خطة لأضعافه وانهاء دوره في العراق والمنطقه ،و”ما عنده ظهر ينضرب على بطنه” ! وبسرعة تم التنازل عن المنظمات الطلابية والشبيبة والمرأة ،ليجد نفسه حزبا تابعا للحزب البعث يحاول ان يفرمل مسيرته ويضبط ايقاعها على خطوات صدام مستدرجا قواعده الى فخ السقوط السياسي والتوقيع على مادة 200/1 ! حزب كان في السر اقوى واكثر تأثيرا وهو في العلن،وكانت الضربة القاضية في اعدام كوكبة من الشيوعيين وهم يؤدون الخدمة العسكرية.مضى علي زمن طويل تدغدغ الأممية أفكاري ولا اعرف متى وكيف تحولت من الأممية الى المحلية المفرطه دون المرور بالمستنقع (القومي) ، قد يكون السبب غياب الإرث الإنساني العالمي بعد سقوط الاتحاد السوفيتي ودول أوربا الشرقية بحركات احتجاجية خاطفه أثبتت مدى تذمر هذه الشعوب من (أنسانية) حكامها (الأمميين) ،أو قد يكون السبب هو كبر وأتساع معاناة العراق هذا الاتساع الذي ضيق الرؤية الذهنية ليكون أطار النظر يخترق ثقب الباب ليطل على العالم الآخر. ماذا استفاد الحزب الشيوعي من التضامن الاممي المزعوم ! غير اتهامه بالتبعية والعمالة للسوفيت فهل ترك الحزب الشيوعي الاممية مثلما تركتها انا ؟
مقالات اخرى للكاتب