اذ كانت فعل كل هذه الحشود المليونية الشعبية، التي ضاقت بها ميادين مصر وشوارعها وحاراتها وجسورها ومحافظاتها بحيث لم يعد لاحد موضع قدم، ليس فعلا ثوريا، فلنشطب على كل ثورات العالم!
اذا كانت كل هذه الملايين لا تصنع الثورة، فمن يصنع الثورة اذن؟
الثورة بالتعريف والبعد الشعبي هي {ليسها} بالتعريف وبالبعد التنظيري البائس، المنظرون البائسون الرماديون، الذين تقاعدوا عن العمل وتقاعسوا عن اي فعل ثوري تفكيرا او مساندة، لا يُعًرفون الثورة الا بالاستناد على قوالب نظرية جامدة، من خلال تعريفات مدرسية مكتبية لا يرجع اليها اليوم احد الا لارشفة التاريخ.
ليس المنظرون هم مَن يصنع الثورة، الثورة يصنعها الناس، الثورة تصنع في ميادين الاحتجاج، في ساحات الرفض في مسيرات التحدي والاصرار على التغيير!!
لا تشتق الثورة تعريفاتها من المكاتب ولا من الغرف ونوادي الحوار والمقرات الحزبية، ولا من اقلام الكتاب ولا من صفحات الجرائد، الثورة تشتق تعريفاتها ومضامينها واندفاعاتها من الشوارع من هتافات الناس من مطالبهم من اهدافهم من غاياتهم من تضحياتهم من تعبهم ومن شقائهم ومن اندفاعاتهم التي لا تعرف مهادنة ومساومة السياسين ولا رخاوة المنظرين.
ليس للثورة تعريف واحد، هي مختلفة باختلاف ظروفها متنوعة بتنوع بيئتها قد تكون مسلحة بالبنادق والمتاريس، تكون عنيفة كبركان متفجر، وقد تكون سلمية لا تملك سوى قوة الاحتجاج والتصميم على الانتصار ومواجهة الرصاص والسكاكين بالصدور العارية. وفي هذا تصبح الثورة اي فعل احتجاجي شعبي يهدف الى تغيير ايجابي يرفض العودة الى الماضي ويرفض الحاضر البائس ويهدف الى احلال الافضل.
الثورات وفي كل اختلاف اشكالها لها خاصية مشتركة هي ازاحة المتسلطين ، كطبقة او كنخبة او كاحتكار لعائلة او لحزب او لمجموعة.
الثورة لا تنادي بالعودة الى الماضي ولا تحسين البؤس في الحاضر، الثورة انتقال فجائي او تدريجي للافضل.
ان اي صورة للرجوع للماضي اي دعوة للعودة للخلف، يسلب الثورة ميزتها الثورية الابداعية ويحولها الى ردة، من هنا هذا الاختلاف الكبير بين تجمعات اخوان المسلمين في ميدان رابعة العدوية وبين حشود الثوريين في ميدان التحرير، اختلاف لا يستطيع المنظرون الجامدون فهمه ولا استيعابه، لانهم يستمدون افكارهم من تنظيرات قديمة مستهلكة منتهية الصلاحية.
الثورة في ميدان التحرير حيث يُرفض الرجوع الى الماضي ويُصر على كسر قيود الاستبداد، رفض لسيطرة نماذج الفشل وسيطرة الدين وسيطرة التكفير وسيطرة الوصاية على الناس.
الردة هي في ميدان رابعة العدوية، ردة تريد تمهيد العقول والافكار والاعلام والفن والحياة لتقبل حكم الخليفة الاخواني، تمهيد لتقبل تطبيق احكام الشريعة، الرجم وبتر الاطراف وجلد الظهور والتعزير وقطع الرقاب بالسيف والتفريق بين الشعب حسب الطوائف والاديان والمذاهب والهوايات والميول.
الثورة لا تشعل شرارتها الكتب ولا النظريات، فهي ليست تطبيقا ايدلوجيا او تعليمات حزبية. الثورة تشعل شرارتها معاناة الناس واحاسيسهم ومشاعرهم الانسانية التي ترفض نوع الحياة المفروضة عليهم، ترفض الوضع المزري التي تعيش فيه، ترفض ردة الحكم وردة الفكر وردة المظاهر الاجتماعية، ترفض ان تكون صورة مكفهرة تشذ عن تلك الصورة التي يبدو فيها العالم كلوحة ملونة جميلة بينما تغدو هي استثناء بائسا هامشيا مهملا.
ما يميز الثورة عن الردة، هي ان الثورة تشمل قطاعات واسعة من الشعب، تؤثر على كل فعاليات الدولة وتضعهم امام مسؤلياتهم، تضعهم امام اختيار، اما الالتحاق بالثورة او مساندة التسلط الاستبدادي.
وعندما تتفهم القوات المسلحة الثورة وتشعر انها ايضا جزء منها، لا بد لها ان تقرر، مع من تقف!
ان انحياز الجيش للثورة لا يمثل انقلابا عسكريا على السلطة، بل انقلابا ثوريا عليها، ثوريا لانه وقوف مع الثورة.
ان ذلك ليس خيانة للشرعية كما تقول الابواق الاخوانية، اذ ان القسم العسكري ينص على الاخلاص للدولة وليس للحكومة، للوطن وليس لحزب.
وهناك حقيقة ينبغي عدم اغفالها، فالاسلاميون وفي كل الدول التي يحكمون فيها، سيسعون لتغير عقيدة الجيش الوطنية وتحويلها الى عقيدة اخوانية. فسيطرة الاخوان على الحكم هو بحد ذاته انقلاب سيجري تطبيق حلقاته تدرجيا على الجيش كما رأينا في النموذج التركي حيث اودع اوردغان اعدادا كثيرة من العسكريين الوطنيين الاتراك في السجون والمعتقلات بتهمة التآمرعلى الحكومة، بينما دس الاف المراتب العسكرية من الايدلوجيين الاسلاميين في صنوف الجيش المختلفة وغير ولائهم من ولاء للدولة الى ولاء لحزب الاخوان المسلمين في تركيا.
ليس من المعتاد ان يصبح الجنرالات وجوها شعبية محبوبة، على سبيل المثال لا الحصر ندرج نموذجين:
في العراق: عبد الكريم قاسم الزعيم الخالد الذي احبه العراقيون ولا زالوا يحبونه ويبجلونه ويحتفظون بصوره ويتحدثون عن مأثره ويمجدون تواضعه ويضربون المثل بنزاهته، فقد وضع حدا لحكم عائلة سعودية نصبها الانجليز مالكة على العراق وكان العراق ضيعة بريطانية.
في مصر: جمال عبد الناصر القائد الخالد الذي عندما رحل الى مثواه الاخير لم يبق في البلدان العربية احد لم يبكيه، بكوه حتى مبغضيه، كان نزيها وطنيا مخلصا متماسكا متكلما بليغا اثر في العرب تأثيرا كبيرا بحيث تاسست احزاب كثيرة تحمل اسمه وتهبه الخلود. ولا زال لحد الآن اسما لامعا تحمل الجماهير صوره.
الجنرال عبد الفتاح السيسي الرجل الوطني الشجاع الذي قرر الانحياز الى اغلبية الشعب المصري في احداث التغيير الثوري في السلطة واعادة قاطرة مصر على سكتها التي تؤدي الى الامام وليس تلك التي تسير بالمقلوب.
عبد الفتاح السيسي اذا اراد احد معرفة شهرته وشعبيته فما عليه سوى الاستماع الى شعارات الحقد وهتافات البغض وصراخ الشتائم التي يطلقها عليه ابواق الاخوان ومجاميع الردة.
عبد الفتاح السيسي سيبقى اسم ووجها شعبيا محبوبا في مصر وفي كل المنطقة
انه رمز من رموز الثورة الوطنية
ليس على مستوى مصر فقط، بل على مستوى العرب ايضا
لقد كسر الثوار المصريون سوية مع عبد الفتاح السيسي اهم حلقات سلسلة الحكم الاخواني في البلدان العربية وانقذوا المنطقة من شر اسوء نموذج حكم.
فتحية لعبد الفتاح السيسي وتحية لثورة مصر.
مقالات اخرى للكاتب