الموقف"الوطني والديني والطائفي"الذي يُطالب به المثقف انتصاراً لأبناء جلدته عبر تزييف الحقائق تارة او بالسير في نفس الطريق الذي يسلكونه طوراً دون أن يقوم بمهمته الحقيقية في تقديم قراءة مختلفة لما يحدث .
هذاالموقف الإنهزامي الذي يُطلب منه يعني تجريده من وظيفته الأساسية في تنوير المجتمع وتحوله الى شاهد زور وتابع لهذه الجهة او تلك ، و هذه المحنة تضعه أمام إمتحان صعب،فهو أما أن يجاهر ويعارض بشدة ليواجه مصيره المحتوم ، او أن يحاول ان يقول ماعنده بشكل مخفف وبدبلوماسية شديدة او ان يهاجر الى الخارج !
واحد من الأسباب المهمة لهذه المحنة هو غياب الجهد الجمعي للمثقفين - لا عن طريق تحولهم لحزب سياسي طبعاً - ولكن عبر مشروع ثقافي حقيقي يوحد الرؤى و يمكنهم من التحول للوبي ضاغط ومتماسك ، بغياب ذلك المشروع تسهل عملية افتراسهم واختراقهم فضلاً عن تناحرهم الدائم بسبب الإصابة بنفس الأمراض التي تصيب النخب السياسية والتي لا يمكن التخلص منها بدون مشروع يحاول ان يحدد الخطوط العامة لرؤيتهم ويحاول ان يقدم قراءة تنويرية وتحليلية لواقع الحياة الملتبس سياسياً واجتماعياً وثقافياً .
فلا توجد رؤية واضحة لأحداث مرت بالبلاد منذ عقود ، يقدمها المثقف للأجيال اللاحقة ، فيما يشير تخبطه وضياع بوصلته المعاصر الى حال البلاد المتأزمة والضائعة .
فمنذ 2003 وحتى اليوم لم يتمكن المثقف من الضغط على السياسي لإخراج وزارة الثقافة من المحاصصة على سبيل المثال ، قد يكون ذلك مؤشراً على استعلائية السياسي وزهده بالواقع الثقافي ومعرفته بعدم قدرة المثقفين على القيام بأي شيء يعرقل طريقه في أروقة السلطة .
ماذا يريد المثقف ؟ فلو وجهت هذا السؤال لعينات عشوائية من فئات اجتماعية مختلفة لما حصلت على جوابين متماثلين ، بل انك ستجد اختلافاً عند المثقفين انفسهم ، ورغم ضبابية مصطلح المثقف وعدم وضوح المقصودين به لكنه يبقى معبراً عن فئة من النخب المتنورة التي تلعب دوراً كبير في بقية بلدان العالم .