لعل من ابرز المبررات التي دعت لاقامة الإقليم في البصرة هو الظلم والنسيان الذي عانته البصرة على مدى طول الحكومات المتعاقبه لكن كان ابرز هذه المبررات التي دعت البصريين الى المطالبه بالاقليم هو ما بعد عام 2003 خصوصا بعد التعويل الكبير على نوعية نظام الحكم والدستور الجديد الذي يساوي الناس على أساس المواطنه لا على أساس عرقي او ديني او مذهبي فيتحقق الرفاه الاقتصادي للجميع دون استثناء ومن حق البصرة ان تتمتع بخيراتها ومواردها كونها تبعد بضع كيلومترات عن دول الخليج ومدنهم العامرة بعدما كانت تلك المدن يبابا صحراء قاحلة يستهدف سكانها البصرة للتسوق والتزود بالمؤن والحاجيات الاساسية كونها مدينه عاشت المدنيه بأول نشاتها .
ان التجربة البصرية ستكون هي الأولى في العراق بل في المنطقة المحيطة برمتها اقصد كتجربه رائدة من نوعها تعتبر الأولى و تختلف عن تجربة إقلم كردستان في إقامة الإقليم والحكم الذاتي من ناحية التصويت وفق مواد دستورية مشرعه ومصوت عليها من قبل الشعب العراقي لان إقليم كردستان اقُيم في وقت كان نظام بغداد قد خاض حربا طويلة مع الاكراد وعقد اتفاقيات وتنازلات لأخضاع الاكراد لكن الطبع الكردي العنيد للتعسف ومناطقهم الوعرة تعطيهم دائما الاسبقية في المناورة إضافة الى الحلم الكردي الكبير بإقامة دولة كردية تظم اكراد الدول المجاورة ,تقديم شاه ايران الدعم للمقاتلين الاكراد اجبر النظام العراقي بتوقيع اتفاقية الجزائر عام 1975 مقابل التخلي عن دعم اكراد العراق كذلك أعقبت ذلك قيام الثورة الاسلاميه في ايران ونشوب حرب بين ايران والعراق دامت ثمان أعوام وقصف النظام العراقي لقرى الاكراد بالسلاح الكيمياو ي عام 1989 وانتفاضه شيعيه منطلقة من الجنوب عام 1991وقيام حركة الاكراد أجبرت نظام صدام حسين على الموافقة على إقليم كردستان كحصيلة حاصل لتبعات فرضت نفسها على الواقع بقوة العوامل التاريخية والحاضرة ومن هذه العوامل التي ساعدت على إقامة الإقليم في كردستان كثيرة منها عامل الاضطهاد العرقي خصوصا حادثة حلبجة عام 1989التي هزت العالم واخذت بعد في فترة كان العالم قد خرج توا من صراع بارد بين معسكر الغرب ومعسكر الشرق واتجاه العالم الى القوى المنتصرة في هذا النزاع احتاج عندها العالم ان يقدم مصادر تمويل لصراع جديد يسهل عليهم الاستحواذ على أماكن الثروه النفطيه هذا من جانب وللضغط على الدول الرافضه لهذا الانتصار من جانب أخر إضافة ان إقليم كردستان لايعاني من كثرة الاتجاهات والتيارات فقط يحتوي على حزبين كبيرين يدريان الإقليم بإجراءات غير دستورية متعارف عليها بينهم .
بعد سقوط نظام صدام يوم 9/4/2003 صوت العراقيون على الدستور الجديد يوم 15/10/2005 وأعطى هذا الدستور الحق في إقامة الأقاليم ونص على إقامة التصويت على الإقليم حق مشروع وهذا نص المادة 115
(( "لكل محافظة او اكثر تكوين إقليم بناءا على طلب بالاستفتاء عليه يقدم بإحدى طرقيتين" ))
اولاً: طلب من ثلث الأعضاء في كل مجلس من مجلس المحافظات التي تروم تكوين الإقليم .
ثانياً:طلب من عُشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تكوين الإقليم
وهذا النص لم يأتي بالصدفه دون دراسة بل أسلوب مبتكر يحاول تجنب الاصطدام مع الإقليم الكردي المكون قبل الدستور وجاء ايظا طمئنه للذين تعرضوا لاضطهاد طائفي من قبل سلطة البعث وضمان للثروات الطبيعيه
قبل الخوض في التفاصيل يمكننا السؤال عن من هم دعاة الإقليم هل هم بصريين من اهل البصرة ام بصريين مغتربين في خارج القطر ؟ هل هو تخطيط لانتشال البصرة من واقعها المزري ام انه تخطيط يراد منه التسلط على رؤوس البصريين باسم الديمقراطية والحقوق كل هذه الاسئله والاستفسارات نحاول ان نجيب عنها من خلال التحليل والوقائع على الأرض والمخاوف والمقارنه ,هناك عدة عوامل داخليه مرة تعيق تكوين هذا الإقليم المزمع ومرة تدفع باتجاه اقامته العوامل الدينيه والاجتماعية والاقتصادية والتاريخيه
لايخفى على احد ان الكتلة البشرية الهائله في البصرة تملك الكثير من المقومات منها الموارد الطبيعية خاصة النفط إضافة الى الميناء العراقي الوحيد لكن بنفس الوقت تعاني من شحة المياه الصالحة للشرب ونقص في الكهرباء يمكن جمعها اجمالا بانعدام البنى التحتية ونقص الخبرات المحلية يجعل إقليم البصرة محتاجا لشركات عالمية تقوم ببناء هذه البنى وتدريب الكوادر, ويمكن الاستفادة من المقومات تلك وايظا من الممكن التغلب على عائق ملوحة الماء والطاقة الكهربائية بالاستثمار الخ , لكن هناك أدوار تلعبها الروابط الدينيه والاجتماعية لايمكن تخطيها بالاستثمار
مثل دور المرجعيات الدينيه في النجف الاشرف وقم وعلاقتها مع البصريين وارتباطها بهم من جهتها وجهتهم وسماع كلمتها التي تعد كلمتها الحد الفاصل تقف عندها كل المناقشات اذا ما ايدت او رفضت الإقليم فالمجتمع البصري في غالبيته العظمى شيعي امامي يعطي اعتبار كبير للمرجع الشيعي باعتبارة نائب الامام المعصوم في الاعتقاد الشيعي ,إضافة لذلك العامل المهم وجود الجماعات المسلحة في البصره وارتباطها خارج البصرة سواء الارتباط المحلي او الإقليمي
فلايمكن لاحد ان يغفل دور هذه الجماعات المسلحة على اختلافها فهي تقف حجر عثرة بطريق إقامة هكذا إقليم فهو امر مرفوض في حساباتها وانه اذا ما صار سيقطع اوصال هذه الجماعات ويشتت أنصارها مابين الإقليم والمركز من جهه وبين الإقليم والمحافظات الجنوبية المجاورة من جهه أخرى ,ايمان هذه الجماعات بنظرية المؤامرة قاسم مشترك بينهما على الرغم من اختلافها في مصادر التمويل الفكري والمالي وتقاطعها بمسألة القيادة الا انها تلتقي بنقطة ان الإقليم فيه تشتيت لكلمة الشيعه حتى هذه النقطة تلتقي بها الجماعات المسلحة مع المرجعيات والأحزاب الإسلامية مما يعقد المسألة كثيرا كذلك الرابط العشائري بين عشائر البصرة وعشائر الوسط والجنوب وتأكيدا على هذه العوامل ودورها في بيان مدى ارتباط البصريين بباقي أجزاء الوطن هو انخراطهم في قوات الحشد الشعبي بشكل مهول مما يولد انطباع بان البصريين في خضم الصيحات المطالبة بالاقليم والاستقلال في اتخاذ القرارات الاقتصادية يشاركون إخوانهم في الدين والوطن بدمائهم وتعبهم وهذا فيه امران مهمان
أ: فيه اسكات للاصوات التي تعتبر الدعوة الى الإقليم تقسيم للعراقيين
ب: تدعيم لكلام المطالبين بالاقليم وقد يعتبرون مشاركة أبناء البصرة في القتال ضد الإرهاب بان دعوتهم جاءت حرصا على الحقوق وليس طلبا للانفصال .
قد اغفلنا متعمدين دور الأحزاب السياسية العراقية في البصرة لعدم إقرار قانون الأحزاب أي عدم وجود عتبة أنصار ولايجوز ذلك الاستناد على قاعدة بيانات غير حقيقه يمكن اعتمادها في حساب ردة فعل أنصارها كذلك خراب سمعتها عند العراقيين عموما بسبب الإخفاقات المتكررة لهذه الأحزاب ,وهناك مشاكل أخرى منها حساسية العلم الجديد للإقليم والاشراف على القوات الأمنية والامتثال للاوامر كلها أمور لايمكن التكهن بها لانها خاضعة لمزاجية الساسة ومهما حاول الدستور والقانون ان يحد منها لايستطيعان ذلك !
كان من ابرز المطالبين بالاقاليم هو المرحوم عبد العزيز الحكيم لكن الاختلاف الجوهري بنوعية الإقليم الذي يدعو اليه حيث دعى لأنشاء إقليم يتكون من مناطق الجنوب والفرات الأوسط ورغم انها كانت دعوة توحد البيت الشيعي وتفرض عليهم عدم إمكانية التخوف من تفرقة كلمة الشيعة لكنها لاقت معارضه من قبل التيارات والاتجاهات الشيعية الأخرى واعتبروها تجزئة للعراق واذكاء نار فتنه طائفيه لان هذا الإقليم المترامي سيفرز إقليم سني تلقائيا ناهيك عن وجود إقليم باسم الاكراد إضافة الى صعوبة بقاء بغداد وحيدة بين هذه الأقاليم الثلاث كل هذه عوامل أخرى تقف بوجه إقامة الإقليم الا اذا تبدلت النظرة لمفهوم وحدة الوطن خصوصا بعد استفحال ظاهرة الجماعات السنيه في المنطقة الغربية والشمالية كذلك عجز الحكومة المركزية والمحلية عن تحقيق شي يليق بالبصرة .
و لابد من بيان الفوارق بين إقليم كردستان وإقليم البصرة الذي يلوح في الأفق ليسهل للقارئ النظر اكثر في سهولة وصعوبة التكوين
إقليم كردستان :
المساحة : 40،000 كيلومتر مربع تضم ثلاث محافظات "أربيل"سليمانية"دهوك"
تحدها ايران من الشرق تركيا من الشمال ومن الغرب سوريا اما من الجنوب بقية المحافظات العراقية
عدد السكان 4,000,000 ملايين نسمه
الديانات والقوميات في الإقليم هي الأكراد والعرب والآشوريين والتركمان والأرمن والشبك، اليزيدية، والغجر والشركس والصابئة المندائيين .
إقليم البصره المزمع اقامته :
المساحة: 19,070 كم2
تحده ايران من الشرق والكويت والمملكة العربية السعودية من الجنوب ومحافظة ذي قار وميسان شمالا والمثنى غربا .
القوميات والديانات في البصرة : العرب /الشيعة /السنه/الصابئة المندائيين/المسيحيين/وأصحاب البشرة السمراء
تحتوي البصرة على ميناء العراق الأوحد لانه نافذة العراق الوحيدة على العالم من جهة البحر مما تشكل نقطة محورية هامه في الاقتصاد العراقي
مقالات اخرى للكاتب