حدثنا يحيى بن حيان وقال: إن المَقامة تعني المجلس والجماعة من الناس , والقوم , ومّقامات الناس: مجالسهم.
والمَقامة الموعظة التي تُلقى في مجالس الملوك والسلاطين , وإشتهر الخلفاء الأمويون والعباسيون بالمَقامات , وفي كتب التأريخ الكثير من طرائف المحاورات التي تحصل في الإجتماعات , والتي يمكن تسميتها بالمَقامات , لكن المَقامة في فترة من الزمن صارت تدل على الكدية وذلك بمخاطبة الناس لمدّ يدِ العون.
ومن المقامات المعروفة , مَقامات بديع الزمان الهمداني , ومن أشهرها المقامة القريضية والمقامة الجاحظية , وكذلك مقامات الحريري وغيره آخرين.
وقد برع الهمداني في المّقامة حتى صار مؤسسها ومن أبرز كتابها إذ حوّلها إلى جنس أدبي له طعمه ومعناه وفحواه ودوره في الحياة , بل أنه وضع بواسطتها البدايات الحقيقية لفن القصة أو الأقصوصة في الأدب العربي.
وتنوعت المقامات بأغراضها ومشاربها ودورها في الحياة العامة , بل وأصبحت في بعض الفترات موئلا فكريا ومعرفيا للحكمة والعبرة والتصوير الفني لواقع متأزم ومرسوم بكلمات ذات إيقاع مؤثر في الأسماع والقلوب والأذهان.
وقال يحيى بن حيان: أن المَقامة حية خالدة وذات مشاركات في حياة الناس , ولا تخلو منها فترة من الفترات , وإنها قد إتخذت مسارات ومسميات وتوصيفات تدل عليها ولا تسميها , وتكتسب من المكان إسما لها , فمن أسماء مقامات الحريري , المقامة الحلوانية والكوفية والبغدادية والدمشقية وغيرها.
والمَقامة العربية من أول فنون الكتابة القصصية , وقد أثرت على الناس في شرق الأرض ومغربها , خصوصا بعد التواصل ما بين حضارة الأندلس وأوربا , مما أدى إلى إنطلاق الفن القصصي ومن ثم الروائي.
وقد دعاني يحيى بن حيّان, أن أحمل رسالته وأدوّن أقواله وأشارك الناس بها , وهو يكرر على مسامعي: " الكلمة الطيبة صدقة".
فقلت: يا يحيى هل أن الناس ستحيى؟!
فقال:"مَن يعمل مثقال ذرةٍ خيرا يره" (الزلزلة:7)
وأضاف: " ومَن تطوع خيرا فهو خيرٌ له" (البقرة:184)
وذكّرني بقول الحُطيئة:
"مَن يفعلِ الخيرَ لا يَعدَمْ جَوازيَهُ
لا يذهبُ العُرْفُ بين اللهِ والناسِ"
والحق أن "مَن يفعل الخيرَ يَغنمْ"!!
قلت: يا يحيى , لك ما شئت , وسأكون طوع لسانك وصوت ذهنك.
فقال: لنبدأ مَقاماتنا "فكل معروفٍ صدقة"!!
مقالات اخرى للكاتب