عندما نذكر الحبوبي فأن أول ما يتبادر إلى الذهن هو شارع الحبوبي الكائن في وسط مدينة الناصرية و الذي يتوسطه تمثال كبير للسيد الحبوبي . و لكن الكثير من الناس لا يعرف من هو الحبوبي هل هو شاعر أم فقيه أم مجاهد و هل إنه قد جمع كل الصفات التي تدل على العلم و العبقرية و الايمان و النبوغ . نعم ، إنه كذلك ..لقد كان عالماً و شاعراً و مجاهداً كبيراً .. لقد كان شخصية فريدة قد جهلها أو تجاهلها الكثير من الكتاب و المؤرخين و تم طيها في دائرة النسيان و ربما يكون ألسبب في ذلك هو وقوفه في وجه الإستعمار الإنكليزي المشؤوم في أوائل القرن العشرين . إذن من هو السيد الحبوبي ؟

ولد السيد محمد سعيد الحبوبي في مدينة النجف الأشرف سنة 1266 و توفي سنة 1333 هجرية في مدينة الناصرية و دفن في الصحن الحيدري للإمام علي (ع) في مدينة النجف الأشرف . ينتمي السيد الحبوبي إلى إسرة عربية علوية حسنية يرجع أصلها إلى الحجاز كما جاء في ديوان السيد الحبوبي و كما ذكر الاستاذ جعفر الخليلي و قرره آخرون إعتماداً على الديوان المذكور . في سنة 718 هجرية هاجر أحد اجدادها و هو الأمير حميضة بن أبي نما الأول إلى العراق و استوطن هناك و جاء من بعده ابناؤه و أحفاده و إتخذوا من العراق وطناً لهم . أما لقبها (الحبوبي ) لم يغلب عليها إلا بعد أن تلقب به جدها السيد مصطفى . لقد استوطنت هذه العائلة الكريمة النجف الأشرف لتكون إلى جوار مشهد جدها الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ، و فيها انجبت ابنائها و احفادها . لم تكن هذه الإسرة يومئذ إسرة علم و فقه بقدر ما كانت إسرة تجارة، ولكن انصرافها إلى التجارة لم يمنع كبارها من أن يوجهوا أبنائها التوجيه الديني و العلمي كما فعل السيد قاسم (جد السيد محمد سعيد الحبوبي ) حين فقه ابنه (محمود) في الدين إضافة إلى ما كان يقوم به من أعمال التجارة و الزراعة . و تتسع هذ الإسرة و تتفرع و ينتقل بعض بيوتها إلى حائل في بادية نجد و يعمل بالتجارة مع البدو ، و يمتد بهم الزمن في حائل حتى يعاصروا حكم آل الرشيد و ينتقل فرع منها إلى الحجاز ليستقر في المدينة المنورة حتى يعاصر الحكم العثماني فالحكم الهاشمي ، أما أكثر أفراد هذ الاسرة فهم عراقيون توزعوا على مدن كثيرة و إنصرفوا إلى الزراعة و التجارة و الفقه و الأدب .

ففي دنيا الفقه لمع إسم السيد محمد سعيد كابرز فقيه في عصره، و في عالم الأدب و الشعر لمع إسمه إيضاً حيث كتب الكثير من القصائد الشعرية المعبرة نذكر بعض الابيات من قصيدته الجميلة (حادي الضعون ) :

من نازح يحدو العراقَ ضعونهُ
قلب سرى لَّما اهاج شجونه
ومودع ٍ للركبِ وَدَّ بانهُ
لو قد اسالَ مع الدموع عيونه
لم تقطعَ الاظعان مِيلاً في السّرُى
الا وكحَّل بالسهادِ جفونه
قطعت بهم سهل الغميم وحزنه
فسقى الغميم سهوله وحزونه
مِن كل اوطف ماتغنىَّ رعدهُ
الا وارخص بالدموع ِ شؤونه
فترى الدموع تخاله بحراً طَمى
وترى الحُمول تخالهن سفينه

و في سوح الجهاد و النضال في سبيل العقيدة و المبدأ يضيئ كذلك إسمه حين قاد جيوش المجاهدين ضد الانكليز أيام الحرب العالمية الاولى . لقد سجل السيد الحبوبي صفحة مشرقة في تاريخ العراق عندما أعلن الجهاد ضد الإحتلال الإنكليزي سنة 1333 هجرية و قد قام بقيادة فصائل المجاهدين بنفسه و ذلك في أخر سنة من أيام عمره الشريف . أما في حقول الثقافة فقد سجل التاريخ إسمه في مقدمة أسماء دعاة نشر التعليم الحديث في العراق و ذلك حينما شجع الحكومة العراقية على تأسيس المدرسة الجعفرية الأهلية في بغداد عام 1326 هجرية (1908 ميلادية ) .

و بذا نكون قد أسدينا جزئاً يسيراً من الوفاء بحق هذا العالم الأديب و المجاهد الكبير ، و هل يستحق التكريم أكثر ممن نذر نفسه لكي تبقى راية ألحق و الحرية خفاقة في سماء العراق و لكي تتعلم الأجيال بأن المقاومة الشعبية هي السبيل الوحيد لتحرير الأرض و طرد المحتلين الغزاة . فسلام عليه يوم ولد و يوم رحل و يوم يبعث حياً .