في قرية المجري إحدى قرى ناحية الفهود التابعة لمحافظة ذي قار ، ولد السيد عباس محمد الجابري الموسوي عام 1956 و قد فتح عينيه على نور العلم و الأدب و الايمان و نشأ و ترعرع في رحاب علوم أهل البيت (ع) النابعة من القران الكريم و أحاديث الرسول الصادق الأمين (ص) . ينتمي السيد عباس رضوان الله تعالى عليه إلى إسرة علوية معروفة غنية عن التعريف حيث يعرفها الداني و القاصي و ذلك لمواقفها البطولية و تضحياتها المتميزة في مقارعة الظلم و الإستبداد على مر التاريخ و خاصة أبان الفترة الحالكة في تاريخ العراق ألا و هي فترة حكم البعث الماسوني الكافر حيث قدمت الكثير من الشهداء من أجل مبادئ الحق و العدل و الإيمان . والده هو سماحة العلامة السيد محمد عباس الجابري الموسوي رضوان الله تعالى عليه الذي كان هو الاخر عالماً فقيهاً و شاعراً و أدبيباً لامعاً حيث ذكر الذين عاصروه بأنه قد ألف ديواناً من الشعر و لكن لم تشأ الظروف أن تتم طباعة و نشر هذا الديوان . انهى السيد عباس دراسته الابتدائية في مدرسة أبي العلاء المعري الكائنة في نفس القرية و بعد ذلك هاجر هو و عائلته إلى مدينة جده أمير المؤمنين (ع) مدينة النجف الأشرف لينهل من حوزتها العلمية مبادئ العلم و الأدب و التقوى ليصبح بعد ذلك خطيباً حسينياً لامعاً يشهد له البعيد قبل القريب و منذ ذلك الحين أصبح ثائراً في وجه الطغاة كما كان جده الحسين (ع) و شهيداً خالداً في جنات النعيم مع النبيين و الصديقين و الشهداء الأبرار . كان الشهيد محل حب و تقدير و إعجاب كل من عاصروه و كل من جاؤوا من بعده و ذلك لكرم أخلاقه و غزارة علمه و حبه للناس و تواضعه و هكذا دخل قلوب الناس و أصبح له مكاناً مميزاً إلى يومنا هذا .
مع إقتراب شهر محرم الحرام و اطلالة عاشوراء علينا تأخذ بنا الذكريات و أطياف الحنين الى ذلك الزمن الذي هو بحق زمن السيد عباس و كل الشهداء الذين عاصروه . فعندما يهل علينا شهر محرم و نرى الهلال في افق السماء ، كنا بإنتظار كوكب سماوي لكي يهل علينا هو الاخر حاملاً معه ذكريات الطف و عبق الشهادة و الموقف البطولي الذي جسده الإمام الحسين (ع) و أهل بيته و أصحابه في كربلاء ليكون مناراً و شعاراً تهتدي و تقتدي به الأجيال على مر السنين . كنا نمشي خلف السيد عباس و نتبعه من مضيف إلى مضيف و من بيت إلى بيت لكي نستمع إلى محاضراته الحسينية القيمة و إلى أدبه و شعره المتميز ، كنا لا نفارق محياه الجميل و طلعته البهية و لم تكد تفارقنا ساعة من أيام و ليالي عاشوراء إلا و نحن نتبع خطاه الشريفة حريصين أن لا تفوتنا تعزية أو محاضرة من محاضراته الخالدة .
لم يكن السيد عباس عالماً و خطيباً فحسب بل كان شاعراً كبيراً مازالت قصائده تذكر على لسان الذين عاصروه و مازالت تكتب و تدون في الكتب و المجلات و غيرها من وسائل الأعلام . لقد ألف الشهيد العديد من القصائد الدينية نود أن نذكر هنا مقتطفات من قصيدته (يا سيدي يا أبا السجاد معذرة ) :
يا سيدي يا ابا السجاد معذرة
وكل شخص بلا شك سيعتذر
لان شخصك لا شعر يحيط به
ولا صفاتك نحصيها وتختصر
فمشعل العدل في يمناك تحمله
وصخرة الحق من عينيك تنفجر
راموا بافعالهم ان يطفئوا قبسا
الله انزله كي تهتدي البــــشر
راموا امانة مجد انت وارثــــه
من النبي وان هم للنبي قهروا
فزوروا قدر ما اسطاعوا وكم نسجوا
من الاباطيل ماراموا وكم مكروا
اراموا يمحوك لما كربلا امتلئت
وجاء يسرع في راياته عـــــــمر
لم يكن السيد عباس يحمل هموم العراق وحده بل كان يحمل هموم الأمة الإسلامية جمعاء و خاصة القضية الفلسطينية التي كانت و ما تزال قضية العرب و المسلمين المركزية و قد تجسد ذلك في إحدى قصائده التي كتبها عن فلسطين نذكر منها هذه الأبيات :
الله اكبر نادوا والوغى غمرت
قناتهم وبعون الله ماخسروا
من يتق الله ان الله ناصرهُ
فقومنا مابغير الله انتصروا
لا مجلس الأمن أجدانا ولانفعت
وفودنا حينما أعداءنا ظفروا
قد خدورنا بأقوالٍ معسلةٍ
كما تخدرُ جسم المشتكي الابرُ
وعندما الجبهة الشرقية اضطرمت
وأصبحت بأجيج النار تستعرُ
مشى العراق لها في جحفلٍ خطرُ
وليس يؤنسك الا الجحفل الخطرُ
أحال جوهم نارا مؤججة
بوجه ٍلأراضينا قد أحتكروا
نظراً لمواقفه البطولية و الثورية و كلمة الحق التي كان يصدع بها الشهيد ، لم يرق لعصابة البعث الإجرامية الكافرة أن ترى النور الساطع يكشف عن الظلم و الظلام الذي أرخى سدوله على أرض العراق و شعب العراق خدمة للمصالح الإستعمارية و الصهيونية.. { يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون } . لذلك قامت هذه العصابة الحاقدة بإعتقال السيد عباس عام 1979 و بعد فترة تم إطلاق سراحه ثم اعتقل ثانية إلى أن تم إبلاغ عائلته عن استشهاده عام 1981 . و هكذا ودع شهيدنا الغالي هذه الحياة الفانية الزائلة ليلتحق بالرفيق الأعلى في مقعد صدق عند مليك مقتدر مع الشهداء الابرار الذين هم أحياء عند ربهم يرزقون . فسلام عليه يوم ولد و يوم استشهد و يوم يبعث حياً .
مقالات اخرى للكاتب