لجأ الكثير من ممثلي احزاب السلطة المتنفذين وخاصة من الاحزاب الأسلامية الى العرف العشائري في حل الاشكالات فيما بينهم وبينهم وبين الاخرين, في تجاهل تام للقانون المدني النافذ والذي يفترض خضوع جميع المواطنين لبنوده. وهم بذلك عبروا عن استهانتهم بكيان الدولة العراقية وعدم اعترافهم بشرعية قوانينها رغم انهم جزء من جهازها الاداري لا بل دفعوا المواطنين الى سلوك هذا الدرب وتراجعت هيبة القانون لصالح جلسات الصلح العشائرية واحكام دفع الديّة والفصل العشائري وما شاكل من اعراف عشائرية بالية تنتمي الى ايام التسلط الاقطاعي وغياب الدولة الحديثة.
واذا كانت الوشائج التاريخية التي تربط احزاب الاسلام السياسي بالقيم الاقطاعية والعشائرية معروفة, فان لجوء النائبة عن التحالف الكردستاني في مجلس النواب العراقي آلا الطالباني الى هذا المنحى من خلال تقديم فصل عشائري (400 مليون دينار عراقي) لعشيرة الاعلامي المغدورمحمد بديوي الذي اعدم بدم بارد على يد احد حمايات رئيس الجمهورية السابق لدفعها الى التنازل عن القضية وتخفيض فترة حكم المدان وربما تخليصه فيما بعد, كان مفاجأة غريبة. فهي تنتمي الى حزب قومي ليبرالي عضو في الاممية الثانية هو الاتحاد الوطني الكردستاني وتمثل توجهاً مدنياً في مجلس النواب العراقي , لطالما عولنا على دوره للجم اندفاع التيار الأسلامي المتزمت نحو اسلمة المجتمع وفرض قيمه البالية, لنجدها تلهث وراء الشرعة العشائرية لتخليص الجاني.
قد يكون تبنيها لقضية القاتل والتزامها بمتابعة شؤونه وتعرضها للضغط نتيجة ذلك, فرض عليها اللجوء الى كل الوسائل المتاحة في عراق اليوم لتبرأته ومنها العرف العشائري. وقد يكون تمثيلها لنظام حكم العائلة السياسية السائد في الاقليم قد برر لها سلوك هذا السبيل, ولكن الأكيد, ومن خلال حديثها الى الفضائية السومرية (28/2/2015), انها تعرضت للغش من قبل شيوخ عشائريين وعدم تسلم زوجة المغدور الشهيد محمد بديوي للديّة وعدم تنازلها بالتالي عن القضية.
انها سقطت في جب العرف العشائري بمحض ارادتها, فخسرت مرتين, ثمن الديّة, ومصداقيتها كمدافعة امينة عن الحقوق المدنية للمواطنين.
ملاحظة أخيرة : مبلغ ال 400 مليون دينار عراقي الذي دفع كديّة لأهل المغدور خرج من سكرتارية رئيس الجمهورية السابق جلال الطالباني حسب تصريحها, وهذا يعني انها من اموال المواطنين العراقيين, تبدد لتخليص قاتل مدان.
مقالات اخرى للكاتب