مما لاشك فيه أن للسلم الاجتماعي مقومات وأركان لا يمكن أن يتحقق إلا بتوافرها، كما أن للفتن والصراعات والازمات أسباب وعوامل لا تدرأ إلا بتجنّبها. فالمسألة ليست في حدود الرغبة والشعار، أو في وجود القناعة النظرية، بل ترتبط بواقع حياة المجتمع، وشكل العلاقات الحاكمة بين قواه وفئاته. لذلك فإننا اليوم وفي هذه الظروف الحالكة التي يمر بها مجتمعنا العراقي أحوج ما نكون الى مستوى عالي من التسامح والانفتاح على الآخر وتقبل الرأي الاخر. حيث أن الانزلاق الى أتون حرب أهلية أو صراع داخلي مسلح سيكون بالنسبة للمجتمع العراقي هو الشر المطلق، وذلك أياً كانت الأهداف أو القضية التي تتلبّس بها هذه الحرب أو تسعى للدفاع عنها. وعليه فان رفضنا على الدوام لكل أشكال العنف و التقاتل ، أو مجرد الدعوة إليه أو التحريض عليه، أو تبريره ، ينطلق من حرصنا على ترسيخ مفهوم أن السلم الأهلي والأمن الاجتماعي هما جوهر البناء الدستوري وديدن العملية الديمقراطية وابرز أهدافها ومراميها . ويعتبر مفهوم التسامح واحدًا من المفاهيم المثيرة للجدل ، وذلك لأنه من المصطلحات التي تُستخدم في السياقات الاجتماعية والثقافية والدينية لوصف مواقف واتجاهات تتسم بالتسامح(أو الاحترام المتواضع) أو غير المبالغ فيه لممارسات وأفعال أو أفراد لا تتسق سلوكياتهم أو معتقداتهم أو انتماءاتهم العرقية أو الطائفية مع الغالبية العظمى من المجتمع . وعليه فان مصطلح أو مفهوم “التسامح” يعبر عن دعم تلك الممارسات والأفعال التي تحظر التمييز العرقي والديني فهو على النقيض من التعصب ! الامر الذي قد يعتبره البعض وسيلة أو دعوة للتهاون مع السلوكيات أو العادات الشاذة أو المنحرفة عن المعايير والقيم الاخلاقية والانسانية السائدة ، كونه لا يعمل على الارتقاء بمستوى المبادئ أو الأخلاقيات الفعلية على غرار ما يحـــــدث في المفاهيم الأخرى (المتمثلة في الاحترام والحب والمعاملة بالمثل).
ولما كان العراق بلد ذو تنوع عرقي وديني وثقافي ، الامر الذي يتطلب معه تقبل الرأي الآخر على أسس المواطنة والتعايش السلمي وقبول الآخر، وحل الاختلافات بالحوار والتفاهم بعيدا عن العنف ,تعزيزا” للسلم الاهلي والحفاظ على النسيج الاجتماعي العراقي ، ذلك أن العنف ليس سوى وسيلة للصراع والاحتراب ضد الآخر، بسبب فقدان الثقة بين أبناء البلد الواحد ، مما يهدد التعايش والسلم الاهليين وبالتالي وحدة النسيج الاجتماعي العراقي التي تشكل شرطا” موضوعيا” من شروط بناء الدولة المدنية ومؤسساتها الدستورية والديمقراطية . ان تأمين وتحقيق العدالة في كل ناحية من نواحي الحياة ، سيعزز الثقة بين مكونات المجتمع العراقي وأطيافه المتنوعة التي تعتبر من مستلزمات تحقيق قدر من التماسك الشعبي والوحدة الوطنية المستندة في اساسها الى قيم المحبة والوئام والتسامح والتعاضد مما سيعزز السلم والتعايش الاهليين بين مكونات المجتمع العراقي . لذلك فإننا اليوم بأمس الحاجة الى إلى التسامح الفعال والتعايش الإيجابي بين مكونات المجتمع العراقي ، أكثر من أي وقت مضى، في عالم بات فيه التقارب بين الثقافات والتفاعل بين الحضارات المتباعدة يزداد يوماً بعد يوم بفضل ثورة المعلومات والاتصالات والثورة التكنولوجية التي أزالت الحواجز الزمانية والمكانية بين الأمم والشعوب، حتى أصبح الجميع يعيشون في قرية كونية كبيرة ، فكيف بمن مضى على تعايشهم وتسامحهم في بلاد الرافدين مهد الحضارة الانسانية أكثر من ستة آلاف سنة ؟ انها دعوة مخلصة للتسامح ونبذ الخلافات من اجل حقن الدماء وانهاء معاناة الامهات والزوجات والاطفال .. تسامحوا يحفظكم الله ايها العراقيون.
مقالات اخرى للكاتب