الصين فيها ما يقرب من المليار والنصف مليار نسمة , وكل بلاد من بلداننا , قد تناهز نفوس مدينة صينية في مكان ما في الصين.
وتقف متسائلا , كيف لحكومة الصين إدارة الحياة لهذا العدد من الناس , وكيف لحكوماتنا أن تعجز عن إدارة مدينة صينية واحدة؟!
وتتساءل أيضا , عن ما هي الآليات التي تستخدمها حكومة الصين , وما هي الآليات التي تفتقدها حكوماتنا؟
في الصين , الوطن أولا وأولا , والعمل أولا , والإقتصاد أولا , والبناء أولا.
وعندنا لا وطن , ولا عمل ولا إقتصاد ولا بناء يأتي أولا!
وإنما الأول والأول والأول والأول هو الكرسي!!
وفي الصين الحكومة تصغي لأجيالها , وتدرك أنها من جيل آخر , ولا بد لها من تحقيق آلية تفاعل الأجيال , وتواصلها وتحاورها وتلاقح أفكارها.
فحتى الحزب الشيوعي الصيني , ليس كأي حزب آخر , إنه حزب الحكمة والمعرفة والموروث الصيني العميق , وحزب الصناعة والزراعة والعلم , والمعبّر عن المقايسات الموضوعية والإنسانية الصالحة للحياة الأفضل.
وعندما تحصل إعتصامات أو إحتجاجات أو مطالبات أو مستجدات , تصغي الحكومة , وتدرس وتبحث وتحلل , وتستحضر العقول والحكماء والمفكرين والعقلاء , وتدعوهم للنظر في الحالة وتأشير الأسباب والحلول والمقترحات , وقد يحصل أثناء ذلك بعض التفاعلات السلبية , لكن الحنكة والصبر والإصرار على البحث العلمي الرصين والجواب الستراتيجي , عقيدة ومنهج صيني واضح أكدته أحداث عديدة في العقود السابقة
وعندما تتأمل المجتمع الصيني , تجد هذا التناسق الفعال والتواصل الحضاري المعطاء ما بين الأجيال , فالخبرات متواصلة ومتنامية , والإرادة فعالة ومتوقدة والعمل عقيدة , والإنتاج هدف والإبداع رسالة , والمواظبة وإعمال العقول بما هو إقتصادي ومجدي على أشده.
فالعقل يعمل والأيادي تعمل.
وفي هذا تختلف آليات ومناهج الحكومة الصينية الراسخة في سلوك الشعب الصيني , عن حكوماتنا , التي ربما لا تتمكن من الإرتقاء إلى مستوى إدراك الآليات الحضارية الوطنية , الكفيلة بصناعة السبيكة الإجتماعية المعاصرة , ذات الإمتداد في أعماق الحاضر والمستقبل , وعجزها عن إدراك أهمية التفكير العلمي والمنهج العلمي في التعامل مع الحياة.
إن ما يواجه حكوماتنا , وعلى مر الفترات , هو فقدان الآليات والمناهج العلمية الوطنية الخالصة , البعيدة عن نوع نظام الحكم والشخص الحاكم.
وكل ما يحصل , ومنذ عقود وعقود عبارة عن دوران في دائرة مفرغة من البناء والدمار والتصارع , لأن كل ما تحقق من إنجازات لا يمتلك الهوية الوطنية , وإنما إتخذ هويات حزبية وفردية وفئوية , وما دامت الحالة على هذا المنوال , فأن الصيرورة الوطنية المعاصرة المتوافقة مع إرادة الشعب ستنأى عن التحقيق في أي جيل ومكان.
فهل سنرتقي إلى مستوى وعي خصائصنا وأولوياتنا , ونتخذ التفكير العلمي منهاجا , ونؤمن حقا بالوطن حكومة وشعبا لكي نكون؟!!