اثبتت التجارب المريرة في سفر تاريخ العراق الخالد, ان العراقيين شعباً عاشق للحرية حد الثمالة والافراط في تطبيقها ولو كلفهم ذلك العشق تقديم الارواح قرابين على مذبح الحرية, واثبت العراقيون للعالم باسره بان الارواح أبخس الاثمان لكسر قيود الظلم والتسلط, وان صورة قافلة الشهداء بعطر الجنة وهي مطرزة بأكاليل النصر على الطغاة والظلمة اروع بكثير من صور الزفاف الجماعي للراغبين في الحياة بالاتكال على الاخرين بتحقيق رغباتهم.
تربت العراقية الاصيلة على ذلك العشق في رجولة العراقي فتعلقت برداء العفة فيه, فكان لها الشريك المحب بكل صفات العشق الادمي التي لا تتعارض مع عشق الشهادة التي كانت عنوان وجوده, وكانت له الجنة بعطرها المميز الذي يشعر معه بالأمان والسكينة وهو ينحني ليشم رائحة ذاك العطر تحت اقدامها, وكانت له الابنة ذاك الطيف الجميل الذي يملئ الزمان والمكان سعادة بالابتسامة والحنان والحركة, ورغم سموا كل تلك المسميات في حياة العراقي والعراقية لكنها وقفة حائرة مذهولة امام لحظة انتفاضة في النفس ضد الظلم والجور والاستبداد.
الدم العراقي لم يكن رخيصاً يوماً والاحلام الجميلة غالية والعيش بحرية عنوان الحياة, لكن الخطوط الحمراء التي يمتلكها الثائر العراقي تفوق عدة مرات الخطوط التي يقتدي بها أي انسان في مكان اخر من العالم, وتلك الميزة التي جعلت سفر العراق مليء بالتضحيات الجسَّام وكثرة المواقف البطولية التي رسمها التاريخ طيلة القيام بتدوين حياة العراقيين التي ما انفكت ان تكون مسلسل من الموت لا ينتهي ابداً.
اصبح العراق نقطة جذب ومحط رحاَّل عشاق الشهادة والحرية من كل صوب وحدب, لان عشاق الحرية يرون الوقوف على ارض العراق انتصار كبير لحريتهم والاندماج والانصهار مع ابنائه بداية لولادة جيل من الابطال يحررون العالم من العبودية التي يقوم بصناعتها بعض القردة والخنازير من اشباه الرجال, ولنسرج افكارنا لنطوف في ذاك السفر من ادم الى نوح وهود وصالح والنبي فإبراهيم الخليل والانبياء شعيب ويونس ودانيال وعزرا وناحوم .. الى الأئمة والاوصياء والصالحين عليهم الصلاة والسلام اجمعين.
ما يمر به العراق امتداد لذاك النهج في العشق, لكن بزيادة واضحة للخطوط الحمراء التي رسمها البعض في صناعة التاريخ الحديث بعلم او بدون العلم, لغاية في نفس البعض او لجهل في التمادي والافراط في الحفاظ على تلك القيم وذاك الموروث, لنكون من اولئك الذين شددوا على انفسهم فشدد الله عليهم, ليكون وبال عاقبة امرنا انهاراً من الدماء تسيل دونما هوادة وراء اولئك الذين استخفوا باللون الاحمر فجعل الله غشاوة على اعينهم فراحوا يخططون الخارطة العراقية بالخطوط الحمراء ليضيقوا الخناق علينا وعلى انفسهم لنجد انفسنا في زاوية لا نحسد عليها.