في واحدة من تأملاته الرائعة يقول ابو الطيب المتنبي عن تداول السلطة عند العرب :
تملكها الماضي تملك سالب
وفارقها الماضي فراق سليب
وفي جلسة نادرة في مسجد الكوفة كان طرفها الاول عبد الملك بين مروان بعد انتصاره على صديقه مصعب بن الزبير وحز رأسه ووضعه في طست امامه والطرف الاخر اهل الكوفة . قال شيخ منهم موجها خطابه للخليفة الاموي :
في مكانك هذا وفي مجلسك ذاته رأيت عبيد الله بن زياد يجلس وأمامه رأس الحسين بن علي موضوعا في طست ورأيت رأس عبيد الله بن زياد بين يدي المختار بن ابي عبيدة الثقفي ثم رأيت رأس المختار بين يدي مصعب بن الزبير وها انا ارى رأسه بين يديك ولااعلم بيد من سيكون ؟
وفي حاضرنا رأينا رأس الملوك ونوري السعيد بيد قاسم وعارف وبقية العسكر المنقلبين على الملوك ورأينا رأس عبد الكريم بين يدي عبد السلام والبكر وبقية البعثيين ثم رأينا رأس عبد السلام وعبد الرحمن شقيقه بين يدي البكر ورأينا رأس البكر بين يدي صدام ورأس صدام بين يدي المالكي واليوم رأينا التحالف الوطني ومن يقف خلفهم بالخفاء والعلن ومعصوم يقدمون رأس المالكي في طشت دستوري ويضعونه بين يدي رفيق دربه حيدر العبادي وسط فرح وتهليل البعض وصراح ورفض واحتجاج اخرين . وليس من المعقول او المجدي ان نحمل الحياة او نعلق على شماعتها هذا ونقول ( هذه سنة الحياة ) وانما هذه طريقتنا كعرب في تداول الحكم وعدم قناعتنا او رضوخنا لواقع يقول للحاكم او المستأثر بسلطة صغر او كبر حجمها (لو دامت لك لما وصلت لغيرك ) انها سنة . سنة نحن مبتدعوها والمتفردون بها والمنفذون لها بأمتياز والمصرين على توارثها جيل بعد جيل وهي كما شرحها ابو الطيب واجاد وصفها على انها صراع بين سالب ومسلوب ودوام المشكلة تكمن في تصرف السالب في طوره الاول فلو اقتنع بأن الحياة ستجبره حتما على ممارسة الدور الثاني والتحول من سالب لمسلوب وعمل على اساسها لربما قلل من تيهه وغلوائه وايغاله بالتمسك والتشبث والتفرد والانفراد بالسلطة وتناسيه رؤية الحد الفاصل بين السالب والمسلوب واصراره على تطبيق :
فلم يخلو من ذكره عود منبر
ولم يخلو دينارا ولم يخلو درهم
واليوم ونحن نقف على اعتاب مرحلة وحاكم (سالب) قادم و(سليب ) راحل اتمنى ان يعي الحاكم الجديد وهو المنتشي فرحا بكتاب العهد والولاية بحكم جديد ان يتذكر ولو فقط السالبان السليبان في سياق من سبقه ويضع امام عينه كيف كان الجعفري سالبا واصبح مع المالكي مسلوبا وكيف كان المالكي سالبا واصبح معه مسلوبا لكي يفلت ولو مرة واحدة حاكم من هذا القدر .
مقالات اخرى للكاتب