سادت المجتمع البغدادي في القرن الماضي معتقدات كثيرة قسم منها لازال معمول به وقسم منها زالت ومن هذه المعتقدات تشاؤمهم من رؤية الغراب فيعتقد سكان بغداد القدماء ان نعيق الغراب هو نذير شؤوم ونعيقه مكروه لكونه اشتهر في قصة دفن الميت واكله للجيف وعدم انسجامه مع باقي الطيور ولذلك فأنه عندما يمر وهو ينعق نسمع العجائز تردد " خيرخير خير "والمقصود انه يحمل خبرا سيئا ولذلك تردد العجائز ماهو عكس الخبر تيمنا بافشال نبؤة الغراب وهناك مثل مشهور عند المصريين وهو "ياما جاب الغراب لامه" .. ومن المعتقدات الاخرى .. ان كسر الصحون او الاقداح او الزجاجيات هو ابتعاد للشر وكثيرا ما نسمع من يردد بعد كسر اي قطعة من زجاج " الحمد لله راح الشر " وهذا معتقد بأن الشر قد ولى بكسر هذه الزجاجيات .. وما دام الامر يسير وفق هذه المعتقدات وبسبب الوضع المأساوي الذي يمر به العراق نتيجة دوران عجلة الموت واستقرارها في العراق الى الحد الذي انهك العراقيين فلنتهيأ اعتبارا من اليوم لشن حملة شعواء لمحاربة وانهاء وجود الغربان اينما وجدت في ارض العراق بعد ان حل الخراب اثر نعيقها الذي لم يجلب غير الموت للعراقيين.. فما ان تنتهي مأساة حتى تلحقها مأساة اخرى تكون في الغالب اكثر دموية من سابقتها حتى ليترآى للمراقب للاحداث ان ملك الموت وجد في ارض العراق منتجعا له للراحة والاستجمام لاخذ المزيد من الارواح متفننا بنوع الموت تارة حريق وتارة اخرى غريق تاركا الغربان تنعق وتلعق دماءمن البشر تارة من النساء وتارة من الشباب واخرى من الاطفال حتى الخدج لم يسلموا من مجرشت الموت ..
بالامس كانت فاجعة الكرادة التي مازالت اثارها تدمي القلوب واليوم فاجعة حريق مستشفى اليرموك الذي راح ضحيته عشرات الاطفال الخدج ..والسؤال المطروح " باي ذنب قتلوا.. ؟؟ " وتكون الاجابة في الغالب ساذجة ولا ترتقي الى حجم المأساة " تماس كهربائي " ولم يوضح ذلك المسؤول.. اسباب حدوث التماس .. وماهي الاجراءات التي ستتخذها وزارة الصحة لمحاسبة الجهات الفنية المسؤولة عن صيانة الاجهزة الكهربائية داخل المستشفى لمنع حدوث تماس اخر ..
اما كان الاجدر بالوزارة ان تكون بمستوى المسؤولية لتوفير مستلزمات السلامة للراقدين في المستشفى .. هل نبقى متسمرين في اماكننا ونحن نعمق مجرى نهر الدم .. ام ننهض من موقعنا وابراجنا العاجية وان لانكون مكتبيين بقدر ما نكون عمليين نخرج باندفاع الى الشارع او المؤسسة الصحية متفحصين مستوى الخدمات المقدمة ومحاسبة المقصرين في اداء واجباتهم .. هل نبقى نتمسك بالخرافات والخزعبلات مثلما تفعل عجائز بغداد وهي تردد " خير خير خير " تيمنا بافشال نبؤة غراب لايرتقي في شكله ولا لونه الى مستوى اقرانه من الطيور ..
ام نبدأ بكسر الصحون والاقداح لابعاد الشر عن ابنائنا ونردد " الحمد لله راح الشر " واي شر هذا الذي بات يطاردنا في صباحنا وممسانا .. هل نبقى متسمرين في اماكننا وننام ونصحى تصاحبنا معتقدات بالية انهكت العراقيين وجعلتهم يعيشون عصر الخرافة .. ولننتقل الى خرافات اخرى يؤمن بها سكان بغداد القدماء مثل حكة اليد فاذا كانت اليمنى تعني ان صاحب العلاقة سوف يقوم بدفع مبالغ ونقود .. وحتما حكة اليد ستشمل المواطنين من ذوي الدخل المحدود تبدأ هذه الحكة مع نهاية كل شهر حيث تتراكم على العائلة ديون تستحق الدفع الى صاحب المولدة الكهربائية الاهلية واجور الكهرباء الوطنية والماء وغيرها من الديون التي اثقلت كاهل العائلة ..وحكة اليد اليسرى تعني العكس وهي انه سوف يقبض الشخص نقودا وسيأتيه رزق وهذه الحكة لاتشمل ذوي الدخل المحدود بل تشمل المسؤولين السياسيين واعضاء مجلس النواب الذين يتسابقون بهستريا وهوس لجني الارباح وانفاقها في الليالي الملاح .. ومن المعتقدات الاخرى وضع تربة طينية مزججة ومفخورة " سيراميك " دائرية الشكل وبلون ازرق تسمى " سبع عيون " في الباب الرئيسي للبيت او حول الرقبة وهو اعتقاد يمارسه العراقيون على اعتبار ان وضع هذه التربة تبعد الحسد .. كما ان وضع خرقة خضراء حول المعصم او حول الرأس او في رقبة الطفل هي الكفيلة بحماية الشخص .. حتى رفة الجفن لها حساباتها في معتقدات البغادّة فاذا كانت في جفن العين اليسرى يعني ان ذلك الشخص سيسمع خبر سيء واذا كانت اليمنى فتعني قدوم ضيوف الى المنزل وفي احيان اخرى تكون الرفة نوع من الغزل غير العذري ..
حتى الطير له اشارات لدى البغادّة فاذا نزل داخل البيت فيعني ان هناك خيرا كثيرا سيأتي " طبعا الغراب غير مشمول بهذا المعتقد " واذا كان هدهد فيعني سماع خبر مهم سيأتي من بعيد واذا كانت حمامة فيعني ان هناك مشروع خطبة في طور النضوج واذا دخلت دجاجة بيت الجيران وباضت فيه فيعني ذلك انهم سيرزقون بمولود ويحتفظون بالبيضة على انها البشير وحتما ان الطفل المولود لن يكون من الخدج .. واذا لم يسمع البغادّة صوت الديك صباحا فيعني ذلك نذير شؤوم وان شيء ما سيحدث لكن ديك ذلك الزمان كان ديك اصيل تنحدر اصوله وفصوله من تاريخنا المليء بالماسي فيخرج صوته مبحوحا يعبر عن عمق المأساة اما ديك القرن الحادي والعشرين فهو ديك ليس لديه اصل ولا فصل " امنغّل " وصوته يحمل نغمة خاصة اشبه بسمفونية الموت التي باتت ترعب العراقيين .
مقالات اخرى للكاتب