يحتاج الأطفال، والبالغون كذلك، إلى اهتمام أكبر منّا في الجوانب المتعلقة بأخذهم قسطًا كافيًا من النوم الليلي، ووقايتهم من نزلات البرد، وخصوصا مع بدء السنة الدراسية واحتياج الأطفال إلى توفير كل الظروف المساعدة لهم في هذه الفترة، من النواحي الصحية تحديدًا. ولأن الاهتمام بالحالة الصحية هو أمر مكون من مجموعة مترابطة من العناصر، يعتمد كل منها على الآخر بمسار طريق من اتجاهين، فإن اهتمام الوالدين بصحة الطفل خلال مرحلة الدراسة يعتمد على تكوين هذا التصور لديهما. وكلما كانت صحة الطفل أفضل، كان تحصيله الدراسي أفضل وتدنت احتمالات غيابه عن المدرسة وارتفعت فرصه في النجاح والاستمتاع بأجمل مراحل العمر.
وعلى سبيل المثال، قد لا يتصور أحدنا أن ثمة علاقة محتملة بين فيروسات نزلات البرد وأجهزة الهاتف الجوال أو الكومبيوتر اللوحي أو الأجهزة الذكية الأخرى ذات الشاشات المضيئة، ولكن خلال هذا الأسبوع من بداية شهر سبتمبر (أيلول)، صدرت نتائج دراستين طبيتين، تتحدثان عن علاقة محتملة بينهما وبين صحة الطفل. وتلك العلاقة مبنية على أن استخدام هذه الأجهزة يتسبب في تدني عدد ساعات نوم الأطفال بالليل، وأن تدني ساعات نوم الطفل بالليل يُقلل من قدرات جهاز مناعة الطفل على مقاومة فيروسات نزلات البرد.
في الدراسة الأولى للباحثين من جامعة كاليفورنيا أظهرت النتائج أن تدني عدد ساعات النوم الليلي يوميًا يرفع من احتمالات الإصابة بنزلات البرد بنسبة تفوق أربعة أضعاف، وذلك بالمقارنة مع نوم عدد كاف من ساعات الليل. وتأتي نتائج هذه الدراسة لتوضح مزيدا حول أهمية إعطاء الجسم فرصة للنوم بشكل يُلبي احتياجات الجسم ويُسهل عليه التكيف مع الظروف البيئية المحيطة به بكفاءة واقتدار. ووفق ما تم نشره ضمن عدد سبتمبر الحالي من مجلة «النوم» (Sleep)، الصادرة عن الأكاديمية الأميركية لطب النوم (AASM)، قارن الباحثون بين التأثيرات الصحية لنوم أقل من 6 ساعات في الليل بنوم 7 ساعات خلال فترة الليل. ومعلوم أن النوم الصحي بالمصطلح الطبي يُقصد به عدد ساعات النوم في فترة الليل وليس عدد ساعات النوم طوال النهار. واختار الباحثون عُرضة الإصابة بنزلات البرد (Common Cold) عند تعريض الشخص للفيروسات المسببة لها (Common Cold Viruses) كمؤشر في مقارنة التأثيرات الصحية لعدد ساعات النوم الليلي. وأفاد الدكتور إريك براثر، الطبيب النفسي بجامعة كاليفورنيا والباحث الرئيس في الدراسة، قائلاً: «معلوم أن ثمة دورا إيجابيا للنوم في تحسين عمل جهاز مناعة الجسم، ولكن الأمر غير مفهوم بصفة كافية».
وهذه الدراسة لا تفيد أن تدني ساعات النوم تتسبب في الإصابة بنزلات البرد، ولكنها تثبت أن ثمة تدنيا في قدرات جهاز مناعة الجسم لمقاومة فيروسات نزلات البرد عند عدم إعطاء الجسم فرصة للنوم الكافي بدليل ارتفاع احتمالات الإصابة بنزلات البرد حال التعرض لفيروساتها لدى الأشخاص الذي كان عدد ساعات نومهم الليلي أقل من ست ساعات مقارنة بمن ينامون أكثر من سبع ساعات.
وكانت الإحصائيات الحديثة لمراكز مكافحة الأمراض واتقائها (CDC) بالولايات المتحدة قد ذكرت أن ثمة حالة وبائية بين الناس في عدم نوم عدد ساعات كافية من فترة الليل، وأن نتائج إحصائيات المؤسسة القومية للنوم (NSF) بالولايات المتحدة تفيد بأن أكثر من 20 في المائة من الناس ينامون أقل من ست ساعات في اليوم.
ولاحظ الباحثون في نتائج دراستهم الحديثة أن ارتفاع احتمالات الإصابة بنزلات البرد حال التعرض المباشر لفيروساتها، والذي تم على هيئة وضع قطرات من محلول يحتوي على تلك الفيروسات في أنوف المشاركين بالدراسة، كان يحصل بغض النظر عما كان الوقت في أي من شهور السنة وبغض النظر عن مقدار وزن الجسم أو عمر الشخص أو مستوى توترات الحياة اليومية التي يتعرض لها. وعلقت البروفسورة ماري كارسكادون، من جامعة براون في بروفيدنس بولاية رود أيلاند الأميركية، قائلة: «هذه من نوعية الدراسات التأكيدية، ومن الثابت أن قلة النوم مرتبط بارتفاع الإصابات بالأمراض».
وفي الدراسة الثانية، شاركت نفس البروفسورة كارسكادون زملائها الباحثين من كلية ألبرت للطب في جامعة بارون في إجراء دراسة حول علاقة الأضواء المنبعثة من الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية وأجهزة الكومبيوتر المحمولة بنوم الأطفال في فترة الليل. ولاحظ الباحثون في نتائجهم أن الأضواء المتوهجة من شاشات هذه الأجهزة تعمل على خفض إفراز الدماغ لهرمون ميلاتونين (Melatonin) المُسهل لدخول الإنسان تدريجيًا في النوم. وأفاد الباحثون في نتائجهم أن هذا التعرض من قبل الأطفال لأضواء شاشات تلك الأجهزة يُقلل بنسبة نحو 40 في المائة من كمية الهرمون المُفرز لدى الطفل، وبالتالي فإن هذا التدني في إفراز كمية الهرمون اللازمة لتسهيل النوم سوف تُؤثر على قدرة الطفل في الدخول السريع إلى النوم والراحة فيه، وهو ما سينعكس سلبًا على قدرات الصحو والتنبه أثناء النهار لدى الطفل.
ولاحظ الباحثون في دراستهم عمق المشكلة، إذ أفادوا أنه تبين لهم أن 96 في المائة من الأطفال المشمولين في الدراسة استخدموا أحد تلك الأجهزة خلال فترة ساعة ما قبل حلول وقت نومهم. وقالت البروفسورة كارسكادون: «الرسالة هي أننا يجب أن ننتبه إلى حماية الأطفال من وهج ضوء الأجهزة تلك، ما يعني أن على الوالدين إخراج جميع تلك الأجهزة من غرف نوم الأطفال لمنع تسببها بالضرر على نومهم».
مقالات اخرى للكاتب