بعيداً عن نظرية المؤامرة، وأن أمريكا والغرب بوجه عام هما سبب كل ما نحن فيه (معشر العرب) من تشرذم وتفرق وتخلّف، إلا أن الكلام عن العرب وأمريكا يوحي أو ما يوحي للقارئ أنه أمام فصيلين متضادين يصعب أن تكون بينهما مصالح مشتركة بالمعنى الستراتيجي للمصطلح..
فأمريكا وهي دولة حديثة العمر امتداد للفكر والثقافة الغربية (الأوربية) فيما يتعلق بالنظر إلى منطقة الشرق الأوسط فكل المشروعات الاستعمارية والأحلاف والتقسيم التعسفي للحدود ورسم الخرائط للبلاد العربية بعد الحربين العالميتين، كل ذلك بين أعين الأمريكيين بل وقع له التطوير والتحديث بما يتفق مع معطيات العصر، وراحت أمريكا تنفرد برؤية مستقلة عن أوربا في تعاملها مع المنطقة فقد استلمت الجزيرة العربية مقسمة إلى دويلات وكلك الشام وعملت ولم تزل تدعم إسرائيل لتكون أكبر قوة في المنطقة وتسوّقها كنموذج للديمقراطية، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل راحت أمريكا تقدم المنطقة أو العرب كنموذج للإرهاب والفساد وانعدام الديمقراطية وما لا تستطيعه بالإعلام تنفذه بالقوة، كل ذلك بقصد قتل روح المقاومة والتواصل بين العرب الأمر الذي جعل المنطقة كلها فوق صفيح ملتهب وفرض تحديات على العرب للصمود والنقد حتى لا يخرجوا من التاريخ.
ويكشف سجل الأحداث عن أطراد لافت للنظر، كما يمكن أن نتوقع. والسؤال ما الذي يدعونا أن نتوقع، إن سألنا هذا السؤال (الممنوع) عدمَ الأطراد في الوقت الذي لا تزال العوامل المؤسيّسة التي تقوم عليها هذه السياسة هي هي لم تتغير؟ أما الحديث عن (الكيل بمكيالين) فلا يعدو أن يكون حيلة جبانة إذا ما نظرنا إلى ما أخفي (من الحقائق) إعمالاً لمبدأ فقدان الذاكرة الأنتقائي، وإلى ما قُدّم بوصفه دليلاً على أن المبادئ العليا المعلنة تعمل في بعض الأحيان، في الأقل.
ومن العجيب أن الإدارة الأمريكية تجوب العالم حاملة عصاها الغليظة لمحاربة الإرهاب بينما هي تسكت عن هذا الإرهاب الحقيقي في عقر دارها الذي يسعى إلى قتل فكر الأمريكيين وإلى تكميم أفواههم. أليس هذا من الكيل بمكيالين؟ وضحية هذه الحملة هما حرية الفكر وحرية الكلام اللتان تفخر بهما أمريكا حتى إنها وضعت حمايتها في أول مواد الدستور الأمريكي. بل كانتا مثالاً ومناراً للشعوب كافة، إذ هما من القيم الأمريكية الرئيسة التي يعجب بها الناس في أنحاء العالم ويندبون حظوظهم لعدم تمتعهم بها.
إن تجرمة ما يكتبه بعض الأمريكيين واجب، فإلى جانب تصويرها لتيار عريض من الرأي العام الأمريكي، فهي أقل نوع من رد الجميل يمكن أن نقابل به هؤلاء الكتاب الشجعان الذين يعلنون تمردهم على الابتزاز والتجهيل الذي يحاول أنصار إسرائيل تعميمه في المجتمع الأمريكي. فمن باب الاعتراف بجميلهم وتقدير شجاعتهم يجب أن نقول لهم إننا نحتفي بما تكتبون ونترجمه ونقرأه ونتفاعل معه.
وفي ترجمة مثل هذه المقالات فائدة لنا كذلك. ذلك أنها تساعدنا حين نقرأها على اجتناب الوقوع في خطأ التعميم الذي خلق ولا يزال يخلق لنا أعداء كان يجب أن يكونوا أصدقاء لنا. فتجعلنا هذه المقالات المترجمة نتواصل مع شرائح واسعة في المجتمع الأمريكي لا تريد بنا شراً.
مقالات اخرى للكاتب