نعاني جميعا وخصوصا في هذا الزمان , من وجود تجاذبات ونفور بين أفراد العائلة الواحدة اوالعوائل التي ترتبط مع بعضها بعضا بصلة الدم والقرابة .
فلووضعنا احصائية لمن يعاني هذه المشكلة , لوجدناها نسبة عالية وكبيرة جدا من الناس في مجتمعنا المبتلى بالعديد من القضايا التي تستوجب الوقوف عندها .
وبغض النظر عن الموضوع وخصوصيته , اوتحرج الكلام به عند البعض , فان القاعدة العامة هي ان وجود اي خلاف مع شخص , اوحالة العداوة مع أي أحد من الناس ليست بالممتعة ولا مريحة، فهي عبء على نفس الإنسان، واستهلاك لاهتماماته وجهوده، وهدر لطاقات المجتمع، وتمزيق لوحدته وانسجامه.
وكذلك اشغال الافراد بصراعات ومنافسات وتجاذبات تذهب عنهم الصفاء وتخلق جواً من التوتر التي تضيع من خلالها حقيقة الحياة والغرض من الوجود فيها , فكيف اذا كان الصراع اوالعداوة مع من ينتسب لك بصلة الاخوة اوالقرابة اوالدم .
أن الإنسان العاقل الواعي يتجنب العداوات والخصومات، فلا يبادر أحداً بخصومة، ولا يصدر منه ما يسبب نزاعاً أوعداءً من قول أوفعل تجاه كل الافراد في المجتمع ومهما كان , اذا كان اخ اوصديق اوقريب .
خصوصا إذا ما حاول أحد أن يستدرجه لعداوة أوصراع، تجده’ يتحل بالذكاء وضبط النفس كي لا يقع في الفخ، فإن العداوة نفق لا يعرف الإنسان إذا دخله كيف يخرج منه , فقد مدح القران الكريم من يمرون مرور الكرام بالجاهلين ?وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا? , إن افتعال المشاكل مع الناس حالة سلبية عبثية يقوم بها الجاهلون الفارغون، أوالمنحرفون المغرضون، وإذا ما تفاعل الإنسان مع حركاتهم العدوانية، وأبدى بها اهتماماً، ورد فعل، فإنه يحقق غرضهم، ويساعد في إنجاح خطتهم لإيجاد المشكلة معه، وتوريطه فيها. لذا فإن الانسان الواعي يفوّت عليهم الفرصة، ويتجاهل محاولاتهم لاستــدراجه للصراع.
ولان الانسان ليس بكائن يخلومن المشاعر اوالعواطف اوالغرائز فهوليس من درجة الملائكة , ومن الغرائز العميقة في نفس الإنسان ووجوده غريزة الغضب، والتي تتحرك وتثور حينما يتعرض للخطر والعدوان، أوتنتصب في وجهه العوائق والعقبات لتحول بينه وبين تحقيق رغباته ومتطلباته. وبالانفعالات الصادرة عن هذه الغريزة، يدافع الكائن الحي عن نفسه، ويصد الخطر عن وجوده ومصالحه.
إن الإساءات التي تقع على الإنسان من الآخرين، تأخذ دور المنبّه والمثير لهذه الغريزة الكامنة في النفس، وعلى أساس هذه الإثارة تحصل الاستجابة الانفعالية، وتترجم في الواقع الخارجي ممارسة عدائية انتقامية.
فالبعض من الناس تكون استجاباتهم الانفعالية سريعة جدا ، فأقل كلمة تشعل نار الغضب في نفوسهم، وأبسط تصرف تقوم من أجله قيامتهم، ويندفعون للانقضاض على الطرف الآخر بأي وسيلة انتقامية متاحة لديهم. وهذا الصنف من الناس يصعب عليهم الانسجام مع الآخرين، ويعجزون عن كسب الأصدقاء والمحبين، ويعيشون حياة صعبة وشقية قاسية مليئة بالعداوات والخصومات.
وقد يندفع الإنسان الغاضب لأعمال وممارسات يندم فيما بعد على ارتكابها، حيث لا يفيد الندم. فكم من أب ينزعج من تصرفات أطفاله الصغار، فينهال عليهم ضرباً مبرحاً يسبب لهم أضراراً وإعاقات جسمية، يتحمل هوفيما بعد عناء معالجتها إضافة إلى عذاب الضمير.
وكم من زوج يتفجّر بركان غضبه لخطأٍ ما صدر من زوجته تجاهه، فتضطرب حياته العائلية، وينهدم كيان أسرته، أويصاب بشرخ عميق , وقد يحصل مثل ذلك من قبل الزوجة تجاه زوجها.
وكم من إنسان خسر صديقاً نافعاً مخلصاً لعدم احتماله نقص أوتقصير صدر منه، فواجهة بغضب وانفعال.
وكم من شخص أوقع نفسه في صراع غير متكافئ مع جهة قوية غاشمة، لأنه لم يفكّر في نتائج انفعالاته .
إن العقلاء الواعين من الناس هم الذين يجعلون عقولهم حاكمة على غرائزهم، ويفسحون المجال لإرادتهم لضبط انفعالاتهم. فيتحلّون بالرزانة والوقار أمام المثيرات والمنبهات، ولا يستجيبون لشيء منها إلا بقرار عقلي سليم، وعبر أدوات وأساليب مناسبة.
هذا الضبط للانفعالات، تطلق عليه مسميات كالحلم وكظم الغيظ والعفووالتسامح والصبر.
وبه يتجاوز الإنسان الضغوط النفسية التي تسببها الإثارات المسيئة، كما يتجنب الوقوع في فخ العداوات والخصومات، بل ويكسب القلوب والمواقف في المحيط الاجتماعي .
لا بل ان افضل رد فعل للإساءة هوالاحسان والصفح والعفو, وكذلك التودد الى الاخرين عن طريق لين الكلام ومساعدتهم ونصحهم والاحسان لهم والابتسامة في وجوههم , فكل هذه الافعال بسيطة ولا تحتاج منك اي جهد اوتكلفة , بل انها ترفع من مقام من يقوم بها الى مراتب عالية بين الناس وفي المجتمع .
هذا مع عامة الناس , فكيف اذا كان الشخص يمت لك بصلة اخوية اوقرابة ؟!
ان علاقة الإنسان مع اخوته وأرحامه وأقربائه يفترض أن تكون وثيقة متينة، فهناك ارتباط وجودي تكويني تثبته الجينات والمورثات ، وبالتعبير الشعبي إنها علاقة لحم ودم. وايضاً فهي صحبة عمر حيث يبدأ الإنسان حياته في أحضان عائلته، ورعاية اسرته، ويبقى في ظل هذه العلاقة يلوذ بها وخاصة عند عواصف الزمن، وشدائد الحياة، وهناك الوشائج العاطفية، التي تشده الى أرحامه وأقربائه.
وهذه العلاقة المتجذرة والعميقة يجب ان تكون قوية وراسخة لا تتأثر بشيء من المعوقات اوالخلافات , الا ان من المؤسف جداً ان تعصف بها في بعض الأحيان رياح الأطماع وتضارب المصالح المادية وكذلك الاهواء الشخصية , اوالمشاكل بسبب وجود خلافات شخصية , فتنسفها وتجتثها، حتى بين الأخوة الأشقاء المنحدرين من صلب أب واحد، ورحم أم واحدة .
والعداوة بين الأقرباء من اسوأ انواع العداوات، لما تتركه في النفس من الألم الكبير ، وعمق الجراح، ولما تخلفه من قطع الأرحام ووشائج القربى، وتمزيق العوائل وتشتت الاسر، لأن الأقرباء اقدر على الأضرار ببعضهم، لمعرفتهم نقاط الضعف فيما بينهم.
وكم نجد في مجتمعاتنا من عداوات بين الأقرباء بسبب الخلاف على الارث , وكم من اخوة أشقاء أوغير أشقاء خاضـــــــوا ضد بعضهم معارك العداء والكراهية وصلت الى حد مراكز الشرطة والمحاكم.
وانفصمت بينهم عرى الاخوة ووشائج الرحم لاختلافهم على شيء من تركة أبيهم .
كذلك ان احد اسباب وجود خلافات اوعداوات بين الاقارب هوالحسد والغيرة , فكل ذي نعمه محسود .وكذلك وجود النفاق الاجتماعي المستشري بين الافراد , مما يؤدي الى اشاعة البغضاء بين النفوس نتيجته .حتى اني مرة التقيت بصديق لي , وجدت على محياه الالم والحزن , فعندما سالته عن ما به , فقال لي بالحرف الواحد ان اخي له صديق يحرضه علينا , حتى انه غير رأيه بعدد من القضايا والمواقف تخص العائلة , فأثار استغرابي كيف ممكن لصديق ان يحرض الأخوة بعضهم على بعض ؟!
ان المجتمعات التي ترتفع بها نسبة الخلافات العائلية اوالاسرية تكون مجتمعات ضعيفة ومخترقة .
حتى ان في القران الكريم هناك سورة كاملة ( سورة يوسف ) تحكي كيد اخوة يوسف ليس لسبب سوء مكانة يوسف واخوه عند ابيهم يعقوب ( عليه السلام ) , دلالة على خطورة هذه القضية , فلتكن هـــــــــــــــذه السورة عبرة واسوة عظـيمة لنا جميعا
مقالات اخرى للكاتب