نقول أدلجوا : أي ساروا الليل كله , وأدلج القوم إذا ساروا الليل كله , فهم مدلجون. والدَلوجُ: السرابُ.
وبين التأدلج والإدلاج علاقة ذات تأثيرات سلوكية ضارة.
والأقلام المؤدلجة نسبة إلى الآيديولوجية التي تحدد نوع الكتابة , وتتحكم بإتجاه القلم ورؤيته ومفرداته وعباراته , والآيديولوجية منطوق نظري من وحي التصورات السرابية في أكثر الأحيان.
وقد قدمت لنا آيديولوجيات القرن العشرين العديد من الدلائل والبراهين على أنها خداعات , لتمرير الخطط والمشاريع اللازمة للوصول إلى أهداف سترانيجية بعيدة المدى وغير منظورة , لدى الآخرين الذين يتحولون إلى ضحايا , أو قطيع في مطحنة الدمار والخسران , وما أكثر قرابين الآيديولوجيات على مر القرون والعصور.
والأقلام المؤدلجة كأنها تسير في الليل الدامس , فلا ترى إلا ما تستطيع رؤيته لكي تتمكن من المشي وعدم التعثر والسقوط , وما أن يدهمها الضياء حتى تجدها تترنح عمياء في مكانها , وقد فقدت كل ما سعت إليه على مدى عقود متواصلة.
وفي واقعنا الثقافي الحالي , هناك العديد من الأقلام المؤدلجة , التي تكتب وفقا لما تمليه عليها معتقداتها وتصوراتها , التي تريد أن تحشر كل موجود فيها , وتراه بمنظارها وحسب.
وهذه الكتابات لا يمكنها أن تكون منصفة ومعبرة عن الحقيقة , بقدر تعبيرها عن منطلقاتها النظرية وشعاراتها وأهدافها الحزبية والفئوية , التي تروج لها وتسوغها للآخرين.
ومن المعروف أن المسيرة البشرية قد تعرضت لهذه الكتابات والنشاطات على مر الأزمان , وفي كل مرة يتبين أنها لا تصلح لبناء الحياة , بقدر ما تكون تبريرية ومرحلية لإغتصاب أعظم ما يمكنها من حقوق الآخرين , وتدمير الدستور والقانون.
ولهذا فأن المصداقية في هذه الكتابات تكون مفقودة , وأنها تكنز طاقات كبيرة من النوايا السيئة والتطلعات الشريرة , التي تساهم في صناعة الوجود القاسي للواقع الذي تتفاعل معه.
وقد شهد القرن العشرون في العديد من مجتمعاتنا هذه التوجهات الآيديولوجية , التي ما توصلت إلا لصناعة الدمار والخراب والخسران , وما حققت أي منها أهدافها ولا توافقت مع شعاراتها , وإنما كانت طروحاتها عبارة عن مخادعات ومخدرات للوصول إلى مآربها , ولهذا فأنها دمرت البلاد وسبت أهلها في كل مكان.
ومع قساوة التجارب وتداعياتها المريرة , فأننا نكرر ذات السلوك ونكتب بمداد التحزبية والفئوية والتسويغية, لما لا يتفق وأبسط المثل والقيم الإنسانية الصادقة.
إن المجتمعات المتقدمة قد تجاوزت هذه المرحلة من الكتابات الخالية من الرؤية الوطنية , والمجردة من مفردات المصلحة العامة , وتعاملت مع الكتابات العلمية التحليلية الموضوعية , التي تنير دروب الصيرورة الأمثل والأقوى للمجتمع , ولهذا فهي تقدمت وتطورت وصارت تسود المجتمعات الأخرى , التي لا تزال تتأرجح في مرجوحة الآيديولوجيات والمعتقدات , التي تريد أن تنغلق فيها وتنعزل عن الحياة المعاصرة.
وفي صحفنا ومواقعنا تنتشر هذه الكتابات التي تضرنا ولا تنفعنا , وتساهم في بث الأفكار الفتاكة والمشاعر الهدامة , ونشر جراثيم الضياع والصراع والهلاك ما بين أبناء المجتمع الواحد.
فهل تعي الأحزاب وغيرها , بأن زمن الكتابات الآيديولوجية الخداعة المخدرة قد ولّى , وأن الإنسان في زمن العولمة والثورة المعلوماتية , صار يدرك أن الحياة والتقدم حالة أخرى , لا تمت إلى هذه الأحزاب المنكوبة بآيديولوجياتها المريضة المتهالكة؟!
وهل تدرك أقلامها بأن ما تكتبه لا ينفع الناس , وسيطمره التراب ويمحقه نور الحقيقة وضوء إرادة الحياة؟!!
مقالات اخرى للكاتب