يعتقد الناس في العراق اليوم أن السياسة تجارة رابحة بعد عشر سنوات على التغيير. أناس بلا تاريخ ولا انجاز وصلوا إلى البرلمان ومنهم من صار وزيراً في غفلة من الزمن، فلماذا لا يجرب الآخرون ممن لا تاريخ ولا انجاز لهم الترشّح، فقد يحالفهم الحظ في بلد العجائب.
عشر سنوات من الدم والفوضى وتراجع الخدمات واللصوصية تدفع طامحين طارئين للاستيلاء على الكراسي التي تحولت مكاتب لعقد الصفقات. أما الجانب الآخر والذي يثير القرف والدهشة فعودة القتلة إلى ساحة السياسة بحجة المصالحة الوطنية.
يعلق المرشحون الطارئون لافتات كثيرة تدعو الناس لانتخابهم في كل مكان تقريباً، حتى في المقابر. لكن الغريب أنهم لا يضعون صورهم الشخصية، بل الأغرب أنهم يضعون صوراً لذويهم أو حتى زوجاتهم، وأزواجهن بالنسبة للنساء... هذا إذا كانوا يستخدمون صوراً. لكن ما بال المرشحين الآخرين الذين يضعون بدل الصور أشباحاً تمثلهم او تمثل ذويهم؟
الاستهتار بثقافة البلد وثقافة المواطن وصلت إلى مرحلة يصعب تفسيرها سوسيولوجيا ولا سيكولوجيا في ما نراه اليوم في الشارع العراقي من مظاهر غريبة قادمة من خارج الحدود. مرشحة «شبح» بلا صورة ولا تاريخ ولا برنامج ترفع شعاراً بأنها ستكون خادمة الحسين، وهو شعار يرفعه الإيرانيون عندما يترشحون للانتخابات. مرشح آخر يستخدم آية قرآنية كريمة في شعاره موحياً للناس أن اسمه ورد في القرآن الكريم. انها صيغ من الترغيب والترهيب لا نعرف إن كانت تنم عن جهل ام عن دراية عميقة بعدما تحول الشعب قطيعاً تائهاً. في المقابل يرد الشعب المتعب من هذه المظاهر بالسخرية الحادة التي تصل الى درجة التجريح أحياناً في الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي. لكن هذه السخرية تتحول نوعاً من الغضب العالي الصوت حيال عودة البعض إلى ساحة السياسة لكي يمثلوا تطلعات هذا الشعب بعنجهية وبموت ضميري. مشعان الجبوري مثلاً نراه يعود اليوم مرشحاً ورئيساً لقائمة، وهو، فوق ذلك، يحظى بحماية رجال دولة القانون بحجة المصالحة الوطنية ونكاية بالتظاهرات التي خرجت في المنطقة الغربية.
بقدرة قادر يتحول البعض الى شركاء مقبولين لمجرد أن الشركاء السابقين لا يريدون الاستمرار في العملية السياسية، تلك التي اقل ما يقال عنها إنها غدت صفقة مشبوهة بعدما أصبحت الفضائح مكشوفة وأمام الجميع. ولكي تحد الحكومة والأحزاب وميليشياتها من هذه الفضائح قامت، نهاراً جهاراً، بالاعتداء على الصحف التي نشرتها، بسبب قرب موعد الانتخابات.
لم يستنكر أحد هذه الجريمة، لا الحكومة ولا المعارضة ولا البرلمان، بعد عشر سنوات على الحرية والديموقراطية المستوردة التي جاء بها احتلال هذا البلد المنكوب منذ نصف قرن. أما التيار الديموقراطي الذي يعول عليه الناس فلا يملك الإمكانات التي يملكها اللصوص، إذ ليست لديه دولارات او بطانيات يمنحها للفقراء كي يكسب أصواتهم في الانتخابات، وكل ما لديه وعود بمستقبل أفضل لا احد يعرف بالضبط عماذا سيتمخض بعد عشر سنوات من الموت اليومي.
وفي هذا المناخ يعود شبح التقسيم من جديد، فالكرد يلوحون به كلما سنحت لهم الفرصة، تشجعهم التظاهرات التي انطلقت في الجانب السنّي الذي بدأ يشكو هو الآخر من التهميش والمظلومية خصوصاً بعد تأجيل الانتخابات في الانبار والموصل مخافة ان يحتل مقاعد المحافظات رجال القاعدة ودولة العراق الإسلامية الذين وعدوا بمساعدة دول الجوار بتسلم بغداد من جديد.
ويراد للمواطن العراقي الخائف من الحرب الأهلية، التي يدعو إليها القادة، ان ينتخب مرشحيه؟
مقالات اخرى للكاتب