كنت طبيبا مقيما في مستشفى إبن رشد في بغداد , وذات يوم , إستدعاني مديرها لأمر ما , وفي غرفته وجدت المرحوم الدكتور جعفر الكويتي حاضرا , والذي بادرني مازحا بسؤال: كيف تصف هذا القدح؟
فقلت: قدحٌ فيه ماء
قال: وكيف تراه؟
قلت: قدحٌ مملوء إلى ثلثيه بالماء
قال: وهل من وصف آخر؟
قلت: إن الماء فيه!
قال: وهل من وصف غيره؟
قلت: كان القدحُ مملوءً بالماء وقد شرب الدكتور جعفر بعض مائه.
فقال: لقد نجحت في الإمتحان!
وأضاف: أنت متفائل وإيجابي!
وضحكنا جميعا , ومضينا في حوار فلسفي عن كيف نرى الأشياء , فالبعض يرى القدح فارغا لنصفه , أو يجده ملآنا لنصفه , وبين هاتين الحالتين تتأرجح الرؤى والتصورات.
تذكرت هذه المحادثة , وأنا أقرأ , ما نكتبه عن العراق بعد عقدٍ من الزمان.
فالبعض يرى قدح العراق فارغا , والبعض الآخر ملآنا , وبعض يحسبه محطما وكأنه كومة زجاج على منضدة المصالح والمزايدات.
وهذه الإقترابات فيها نسبة متفاوتة من الخطأ وإضطراب الرؤية , وعدم الموضوعية , والكثير من الإنفعالية , والتفاعلات السلبية.
وعندما نسأل: هل أن قدح العراق فارغ أم ملآن؟
يكون الجواب: لا فارغ ولا ملآن!
فقدح العراق فيه ماء , ولايمكن التنكر لهذه الحقيقة الفاعلة في الحياة العراقية المعاصرة , لكن البعض يريد أن يسكب ما في هذا القدح , والبعض الآخر يريد أن يكسر القدح , والقلة هم الذين يسعون إلى إضافة الماء إليه.
لكن الحقائق التأريخية والإرادة الحضارية الوطنية والإنسانية , توجب على الجميع المساهمة في صب الماء في قدح العراق , لكي يبدو مترعا بالحياة والقوة والقدرة على التواصل والبقاء العزيز المقتدر , الصالح للحياة الأفضل والأقوى لجميع العراقيين.
إن مسيرة عقد من التفاعلات الساعية للديمقراطية والحرية بما فيها من كبوات وخطوات وتطلعات , تدعونا إلى أن نتحول إلى عناصر إيجابية في صناعة خارطة الصيرورة الوطنية الفاضلة , والتي تكفل حقوق وطموحات الأجيال القادمة.
فعلى كل مواطن عراقي أن يضع قطرة ماء في قدح العراق , حتى يمتليئ ويفيض بالخير والمحبة والألفة والرحمة والسعادة والسلامة والكرامة , والحياة الطيبة الصادقة الغناء بالأمل والرجاء والثقة بالحاضر والمستقبل.
وتحية للعراق القدح الحضاري المشعشع المنير بأبنائه الخييرين الأبرار الصادقين.
وعاش العراق بنا أجمعين!
مقالات اخرى للكاتب