السقوط الفضيع والانهيار الكبير للجيش العراقي في نينوى له نتائج خطيرة وعواقب لم تظهر ملامحها بعد على الوضع الأمني في العراق والفضاء الأقليمي المجاور وحتى الفضاء الأبعد. ويبدو ماحدث طبيعيا ً ونتيجة متوقعة لسياسة الحكومة الفاشلة على مدى سنوات بحل الأزمة المتفاقمة في المنطقة الغربية بتفضيل الحل الأمني على الحل السياسي. لكن الغير طبيعي هو انهيار الجيش العراقي بهذه السرعة والذي له دلالات متعددة تكشف عن انهيار نفسية الجندي العراقي والعقيدة التي يحملها للدفاع عن الوطن وحماية المشروع الديمقراطي المفترض تأسيسه وتطويره ليكون نموذجا ً ناجحا ً في المنطقة. بعيدا ً عن لغة التخوين ونظرية المؤامرة ومن كان السبب في ذلك الانهيار والتراجع الخطير لمفهوم الدولة أمام سطوة الجماعات والمليشيات المسلحة التي يبدو أنها تملك الكثير من خيوط اللعبة, أننا الآن أمام واقع جديد ولابد من التعامل معه بواقعية وليس برومانسية الشعارات لتطويق هذه الأزمة التي سيحترق فيها الأخضر واليابس. يبدو مجددا ً أن السيد المالكي إلى الآن لايريد الإعتراف بالفشل كقائد عام للقوات المسلحة فهو يبرر هذا الفشل بالمؤامرة والخديعة ونسي الظروف الموضوعية التي أدت لهذا الفشل الكبير حيث مازال مصرا ً على الحل الأمني مقترحا ً تشكيل جيش رديف والذي سيفتح الباب لعودة المليشيات مرة أخرى. لقد كان للسيد المالكي قوة عسكرية وأمنية قوامها مليون جندي صرف عليها المليارات لتدريبها وتسليحها فماذا سيفعل الجيش الرديف؟ يبدو أنه مازال يتخبط بعيدا ً عن النصيحة فهو يطمح لقتال ربما لاينتهي لسنوات وستكون فصوله طائفية بإمتياز وهذا بالطبع ليس حلا ً بالمرة. الواقع الجديد على الأرض يفرض التفكير بواقع سياسي جديد من أجل الحفاظ على وحدة العراق أمام التحديات الكبيرة. أن تشكيل حكومة انقاذ وطني ربما يكون سيكون حلا ً لتطويق الأزمة وذلك بالإنفتاح على مختلف الكيانات السياسة والمكونات المختلفة والتي ربما ستكون نواة لحكومة تتشكل على أساس نتائج الإنتخابات الأخيرة إذ لايعني هذا اقالة رئيس الوزراء فقد أنتهت ولايته قانونيا ً أو شارفت على ذلك. حكومة ترئسها شخصية من التحالف الوطني ولابئس من دولة القانون عدا المالكي لأن خصومه السياسيين قد فقدو الثقة به منذ زمن بعيد. تشارك في هذه الحكومة جميع الكتل السياسية تتبنى فكرة المشاركة بدل الأغلبية التي طرحها السيد المالكي ودولة القانون. ربما ذلك سيكون حلا ً لتطويق الأزمة الراهنة إذا ما اشتركت بها كل المكونات السياسية ذات البعد الإجتماعي الواقعي وليست الديكورات السياسية. فالواضح أن هناك الكثير من الجماعات المختلفة التي تمسك الأرض في المناطق الغربية ونينوى والتي لم تعلن بعد مطالبها والتي تتفق مع داعش تكتيكيا ً ولكنها تختلف معه استراتيجيا ً. فتلك الأطراف لها طموحات سياسية وساعية للسلطة بأي ثمن وهي تعرف أنها ستصتدم بداعش لاحقا ً أذ من السهل التفاوض معها حيث أن الكثير ممن هم في العملية السياسية له قنوات اتصال بها بشكل أو بآخر, ولها أيضا ً قنوات اتصال باطراف اقليمية ودولية كالولايات المتحدة. أما داعش فهو تنظيم لايبحث عن السلطة بقدر الغنيمة وكسب الأرض فهو تنظيم عابر للحدود له أجندة وطموحات اقليمية إذ لايمكن التفكير بالتفاوض معه بأي شكل من الأشكال, فأجنداته طائفية بوضوح تام قياسا ً بالفصائل الأخرى التي لاتعلن عن طائفيتها وهو من الآن يحث على الزحف إلى بغداد وكربلاء والنجف. إن إقتراح حكومة الإنقاذ الوطني ربما ستكون حلا ً لإعادة ترتيب البيت السياسي الذي تصدع منذ سنوات والذي لم يستطع أن يلتئم ليناقش حلا ً للأزمة الحالية لفقدان لغة الحوار والثقة المتبادلة بين السياسيين. فسوف لن يكون مقبولا ً ولاية جديدة للسيد المالكي الذي أوصل الأمور لحافة الانهيار بسياسات فاشلة خسر العراق فيها الكثير والقادم ربما سيكون الأسوأ إذا ما استمرت نفس السياسة الحالية التي تركز على التحشيد ورص الصفوف لخوض معارك مصيرية غير محسوبة النتائج. فنحن أمام مرحلة خطيرة تصلنا لطرق لاعودة فيها بعد المكاسب التي حصلت عليها داعش والمجاميع الإرهابية من أموال المصارف والعتاد والأسلحة المختلفة التي تكفيها سنوات للقتال في العراق حتى لو انسحبت من المدن الكبيرة التي سيطرت عليها إلى الصحراء. نحن فعلا ً أمام خيارات صعبة أحلاها مر.
مقالات اخرى للكاتب