أكد وزير الخارجية السعودي، سعود الفيصل، يوم 11 سبتمبر 2014 أن اجتماع جدة الخاص في مواجهة" الدولة الاسلامية" في العراق وسوريا، بحث مواجهة الإرهاب عسكريا وفكريا، وأن المؤتمر جاء بعد انتشار التنظيم في المنطقة، فتنظيم "الدولة الإسلامية " يتحرك بحرية بين العراق وسوريا. المعلومات كشفت بأن تنظيم "الدولة الاسلامية" ادرك اهمية وخطورة هذا التحالف على تواجده وقام بتغير مواقعه وانتقل الى مواقع بديلة وترك استخدام العجلات التي كان قد استولى عليها من الجيش العراقي وتقليص رفع راياته السوداء على بعض مقراته، خطوة منه في اتخاذ خطوات احترازية ضد الاجماع الدولي الاقليمي.
القمة السعودية جاء امتداد وتفعيل الى قرار الامم المتحدة 2170 الخاص في مواجهة " الدولة الاسلامية" في العراق حيث تبنى مجلس الامن بالاجماع قرارا بموجب الفصل السابع ضد داعش وجبهة النصرة منتصف شهر أوغست 2014 بهدف اضعافهما في العراق وسوريا وذلك عبر إجراءات تقضي بقطع مصادر التمويل عنهم ومنعهم من تجنيد المقاتلين الاجانب والقمة ايضا تنفيذ الى قرارات اجتماع وزارة الخارجية العرب االاخير في 7 سبتمبر 2014 لمواجهة الارهاب. يشار ان الجامعة العربية اعتمدت قرار في مكافحة الارهاب منذ عام 1998.
وتهدف تلك القمة الإسراع في تكوين المركز الدولي لمكافحة الإرهاب، الذي اقترحت السعودية تأسيسه عام 2005 ودعمته بنحو 100 مليون دولار في شهر اوغست 2014. القمة لم يكن صدفة لكنه جاء لايجاد اجماع اقليمي عالمي لمواجهة "الدولة الإسلامية" الحرب. وشارك في الاجتماع وزراء خارجية السعودية والولايات المتحدة والبحرين والإمارات والكويت وسلطنة عمان وقطر ولبنان ومصر والأردن والعراق وتركيا. إن مشاركة كل من العراق ولبنان في هذا الاجتماع يعد خطوة ايجابية في مواجهة التنظيم في هذين البلدين بالاضافة الى المنطقة. فبالاضافة الى العراق وسوريا، يشهد لبنان تهديدا مباشرا لتوسع التنظيم والجماعات "الجهادية" في سوريا عبر جبهة عرسال ـ القلمون وايضا من الداخل.
دعم اميركي
أعلن زعيم الجمهوريين يوم 12 سبتمبر 2014في مجلس النواب الأميركي، تأييده للحملة الموسعة للرئيس باراك أوباما ضد متشددي تنظيم الدولة الإسلامية، لكن أعضاء من حزبه شككوا فيما اذا كانت الخطة التي ستعتمد في الأساس على الضربات الجوية وتسليح مقاتلي المعارضة ستكون فعالة بما يكفي. وقالت وزارة الدفاع الأمريكية في اعقاب ذلك إنها ستنشر قسما من طائراتها في أربيل شمال العراق تمهيدا لشن ضربة عسكرية على تنظيم "الدولة الإسلامية".
عقدة تركيا، ثغرة الناتو
بات واضحا أن أنقرة لن تشارك في أي ضربة تستهدف هذا التنظيم وأكدت مصادر أن تركيا لن تشارك في العمليات المسلحة في إطار التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد "الدولة الاسلامية" في العراق وسوريا. لكن المسؤول أكد أن تركيا قد تسمح للتحالف باستخدام قاعدة "انجرليك" في جنوب البلاد لأغراض لوجستية. وتمارس الولايات المتحدة ضغوطات على الحكومة التركية من أجل إقناعها بالانضمام للتحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" غير أن أنقرة تتحفظ في نهج هذا التوجه بسبب وجود رهائن أتراك في أيدي التنظيم، مما يجعلها في مأزق كبير. هذا الموقف التركي يثير الكثير من التسائولات حول تورطه بدعم " الدولة الاسلامية" في المنطقة واستخدامه ورقة لتنفيض السياسة التركية ضد سوريا والعراق. هي دولة في حلف الناتو وحليف قريب من اوربا، فكيف لها ان تتخلى عن مسؤولياتها القانونية والاخلاقية؟ تركيا تلك الدولة التي دعمت "الدولة الاسلامية" بشراء النفط المهرب من سوريا والعراق واقامة المعسكرات "للجهاديين على اراضيها" رغم وجودها في حلف الناتو واليوم تراجعها في مكافحة الارهاب يكف تناقض سياساتها.
يتحمل الغرب بدوره جزءا من المسؤولية في التحاق مقاتلين أوروبيين بتنظيم "الدولة الإسلامية" فأغلب الجهاديين يسافرون بجوازات سفر أروبية وبطريقة قانونية إلى تركيا ومن هناك يعبرون إلى سوريا كمجموعات صغيرة، حسب تقرير مسرب عن حاكم محافظة "هاتي" الحدودية مع سوريا. وكان وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيغل قد زار تركيا في 8 سبتمبر 2014 والتقى رجب طيب أردوغان، غير أن أردوغان لم يقدم وعودا صريحة للوزير الأمريكي. ووفقا لتقارير صحفية، فقد سمحت تركيا للولايات المتحدة باستخدام قاعدة "انجرليك الجوية" الواقعة على بعد مائة كيلومتر من الحدود السورية، للقيام برحلات استطلاعية في العراق، غير أن أنقرة لم تسمح باستخدام أراضيها لشن هجمات مسلحة على "التنظيم" وفق ما نشرت صحيفة "واشنطن بوست".
تلعب تركيا دورا مزدوجا مابين "الدولة الاسلامية" وحليفاتها في الناتو والاتحاد الاوربي وكذلك في منطقة الشرق الاوسط من خلال دخول وحركة الجهاديين"من اوربا الى سوريا عبر المطارات التركية، وانعكس هذا الاهتمام في اجتماعات بروكسل خلال شهر يونيو 2014 اشركت بها ولاول مرة تركيا لخطورة الدور التركي وضرورة فرض رقابتها على مطاراتها. وقد وجه الاتحاد الاوربي طلبات عدة إلى تركيا لمراقبة الحدود مع سوريا ورقابة الجماعات التي تتوجه الى سوريا من تركيا. وكانت أبرز هذه الخطوات هو إنشاء بوابة تشغيلية واحدة، تعمل كنقطة اتصال لملاحقة قضايا المقاتلين الأجانب. إن العلاقة مابين انقرة والجماعات "الجهادية" والاخوان باتت متداخلة وواضحة وقد انعكس ذلك في سياسة اوردغان باشعال مناطق نزاع واستخدام دول ارض محروقة مثل ليبيا وافغانستان وسوريا محاولة لايجاد دورا اقليميا او دوليا بعد تراجع المشروع الاخواني في المنطقة.
السعودية تقود السياسة الاميركية في المنطقة
إن التحالف الاميركي السعودي الجديد هذه المرة يبدو ان يكون بقيادة سعودية وليست اميركية وليس مثل السابق، إن عقد القمة في السعودية لمكافحة الارهاب في هذا التوقيت 11 سبتمبر 2014، تعطي في المملكة السعودية رسالة الى العالم بأنه تعمل بشكل جاد لمكافحة الارهاب، لتغير مشهد 11 سبتمبر 2001، والتي كانت تضم جنسيات سعودية. المملكة العربية السعودية ربما انفردت بسياساتها في سوريا على وجه التحديد للاطاحة بالاسد، مابعد الاتقاق الروسي الاميركي حول الملف الكيميائي في سوريا. وما شجع المملكة اتخاذ هذا الدور،هو انها ايقنت بالاضافة الى العديد من دول المنطقة بانه لايمكن التعويل على سياسة اوباما التي اتسمت بمهادنة الخصوم والتردد. هذه المرة السعودية هي من تقود الولايات المتحدة وسياساتها في المنطقة. وما يرجح ذلك هو استبعاد الولايات المتحدة ايران من هذا التحالف رغم ان تصريحات واشنطن التي سبقت القمة كانت لا تتعارض من ايجاد تعاون مع ايران في مواجهة الدولة الاسلامية. الولايات المتحدة تحتاج ايران ورغم استبعادها من هذا التحالف لكن لايستبعد ان يكون لها دورا في مكافحة "الدولة الاسلامية" في العراق لكنه خارج اطار هذا التحالف بالاضافة الى وجود التعاون الاستخباري والتوافقات مابين طهران وواشنطن.
الولايات المتحدة تتعكز هذه المرة على المملكة العربية السعودية باعتبارها تتزعم السنة في المنطقة ولها تاثير مباشر على الجماعات السنية المتمردة على حكومة بغداد. اما ايران فهي تمثل مصدر ضبط الى الجماعات الشيعية المقاتلة الى جانب الحكومة مع الحشد الشعبي وكذلك الى الاذرع المتعددة من الميليشيات الشيعية في العراق. يبدو ان واشنطن هذه المرة لا تريد مزيد من الخسارة في مصداقيتها في المنطقة التي اصبحت بوضع لا يحسد عليه وفقدت الكثير من مصداقيتها، فهي لاتتحمل المزيد من خسارة ماء الوجه امام حليفاتها. لذا كان اوباما حريصا على الحصول على موافقة الكونغرس الاميركي لمواجهة مخاطر "الدولة الاسلامية في العراق" وتوجيه ضربات جوية ضد التنظيم في سوريا.
الاهداف المبطتة للتحالف الدولي الاقليمي
مايجري حاليا داخل هذا التحالف ربما هو استنساخ او امتداد الى التحالف الخليجي مع مصر لمواجهة ارهاب الاخوان في اعقاب ثورة 30 يونيو 2013 رغم اختلاف الاطراف والظروف. هذا التحالف اثبت نجاحه في مصر وممكن ان يكتب له النجاح في العراق تحديدا بشرط ان لايقوم على تقوية الاطراف المتمردة والمجموعات المسلحة في العراق، المناطق الشمالية والشمالية الغربية في العراق. ورغم الاختلافات الموجودة في المشهد المصري، فقد بات ضروريا ان يكون هنالك دعم خليجي عربي الى العراق في مواجهة الارهاب.
العلامة الايجابية في هذا لتحالف هو وجود العراق الى جانب دول اختبرت مواجهة الارهاب منها مصر وهذا يعني هنالك امكانية ان يستفيد العراق من هذا التحالف، رغم هنالك خشية ومخاوف من ان الاهداف المبطنة لهذا التحالف هو لتقوية الجماعات المسلحة المتحالفة مع "الدولة الاسلامية" والتي ممكن ان تستغل في اضعاف حكومة بغداد لاحقا.
التحالف سوف يتخذ من اقليم كوردستان العراق مقرا لعملياته العسكرية اكثر من اعتماد الاراضي التركية وقاعدة "انجرليك" وسوف يعتمد العمليات الجوية اكثر من نشر قوات على الارض، تصريحات المسؤوليين الامركيين اكدت بانه لاتوجد قوات على الارض، وكذلك لا توجد قوات عربية مشتركة رغم اتفاقية الدفاع العربي المشترك داخل الجامعة العربية. أربيل من المقرران تشهد استضافة معسكرات تدريب لمقاتليين جدد او تنظيمات مسلحة متحالفة سابقا مع "الدولة الاسلامية" على غرار الجيش السوري الحر او الجبهة الاسلامية في سوريا.
مايميز هذا التحالف عن غيره بانه لم يكن تحالفا عسكريا فقط، بل هنالك عمل منظم هذه المرة بتوزيع المهام بين الاعضاء ضمن خطة قادمة، ربما تكون فنية تقنية اكثر ماتكون سياسية. ابرز ماموجود في توزيع المهام هو المعلومات الاستخبارية وتبادل المعلومات في المنطقة من اجل ايقاف التمويل والتسلح في تجفيف الارها وهي خطوة صائبة وفقا الى معطيات مكافحة الارهاب وتاتي ضمن فهم مايجري على الارض. الحل السياسي هو الخيار بالتوازي مع الخيار العسكري، وتبقى اهمية القرارات بتفعيلها على الارض.
* باحث في قضايا الارهاب والاستخبار