لقد استرعى انتباهي ، ظهور الكثير من الروايات الغربية ، التي تتنبأ بأنهيار الديمقراطية مع التطور التكنولوجي الهائل ، والتي بدأت بوادره بالظهور فعلا ، وكيف ستتحول هذه التكنولوجيا ، الى خادمة لأنظمة شمولية بشعة ، لأن الديمقراطية أصبحت مأزقا حقيقيا بالنسبة للأئتلاف الذي يحكم العالم المتمثل بمنظماته السرية ، والتي صارت تنظر للحرية على أنها عدوها الأول ، وأجد الكثير من المحاولات لوئد الديمقراطية الغربية ، كأزدهار اليمين المتطرف والعنصرية والإسلاموفوبيا ومناهضة الهجرة ، والتي صرنا نشهدها ، بسبب ما يسمى (الأرهاب) ، ذلك الأختراع الشيطاني السحري !.
إحدى هذه الروايات المثيرة للجدل ، هي للكاتب البريطاني (جورج أورويل) المسماة (1984) ، وقد نُشرت عام 1949 ، وهي تتنبأ بظهور أنظمة شمولية بوليسية ، تتبنى القتل والتعذيب والأضطهاد والتآمر على الشعب ، وتُسخر التكنولوجيا العالية للتجسس على المواطن لصالح النظام ، وهذا الكاتب هو نفسه مؤلف رواية (مزرعة الحيوان Animal Farm) ، والتي نُشرت في (لندن) عام 1945 ، وأتذكر كيف مُنع تداولها (كفيلم كارتون) في عهد (صدام) ، ولكن لكون كل ممنوع مرغوب ، شاهدته فعرفت السبب ، إنه يتحدث عن مزرعة فيها الكثير من الحيوانات ، وكان صاحب المزرعة (الإنسان) يسيء معاملتها ، فقررت طرد صاحب المزرعة لتحكم نفسها بنفسها ، وأستغل الخنزير الكسول والإنتهازي هذا الفراغ ، ليبسط سيطرته على المزرعة ، وقد ربّى عدة كلاب شرسة ، ساعدته على بسط سلطانه بالقوة والبطش ببقية الحيوانات ، وملأ المزرعة بصورِهِ وجدارياته (!) ، وكان يغدق على كلابه بالأنواط (!) .
ورواية (V رمز الإنتقام ، V for Vendetta) المثيرة للأهتمام للكاتب المعاصر (ألان مور) ، وتحولت الى فلم بنفس العنوان عام 2005 ، وهي تتحدث عن طاغية اسمى نفسه (قاضي القضاة) والذي يتبنى الفكر الميكافيللي في الحكم ، نراه يسخر التكنولوجيا المتطورة لضمان كرسيه ، ويسلك ابشع الطرق للتخلص من المعارضين ، بالتغييب في السجون والتعذيب والأغتيالات ، ولجوءه الى أكثر الخطط شيطانية ، لالهاء الرأي العام وإشغاله ، كأفتعال الحروب والأوبئة وصنع الفيروسات الفتاكة ويصنع معها ترياقها المضاد فيبيعه على الناس ليعتبروه منقذا لهم ، فيفوز بالأنتخابات ! ، ثم ينفذ أعمال التخريب والإنفجارات التي يروح ضحيتها بالآلاف ، ويلصقها بمعارضيه ، لأنه يمتلك الإعلام ، مع التنكيل بما تبقى من الصحافة الحُرة ، وكافة المخططات التي تجعل المواطن يشعر بحاجة مستمرة لحكومة منقذة له ، وهنالك شخصية مدير دعاية النظام بماضيه العسكري ، وخدمته في كل من العراق وسوريا وكردستان (حسب تعبير الرواية ) ! ، أي قبل الأزمة السورية بوقت طويل ، ولم تنس هذه الرواية ، إنتهازية رجال الدين في تسخيره لخدمة النظام !، وذلك في شخصية (الأسقف) الذي كان موظفا رفيعا في المعتقل الرهيب للنظام .
تتبنى المعارضة الخفية المتمثلة بشخصية (V) ، قناع (غاي فوكس ، Guy Fawkes) كشعار لها ، وهو صاحب مخطط نسف مجلس اللوردات البريطاني عام 1605 ، والمعروف بأسم مؤامرة البارود الفاشلة ، بإبتسامتهِ العريضة وشاربين رفيعين ولحية على الذقن ، وقبعة ومعطف اسود ، سبّب هذا الفلم ردة فعل كبيرة ، وأكتسب شعبية عريضة ، وصار هذا القناع شعارا يرفعه المتظاهرون من دعاة الليبرالية اليسارية والمتبرمون من السلطات ، والمعبرون عن معارضتهم لأنظمتهم في كل دول العالم .
كثيرا ما كنت أتسائل ، عن سبب تأخر وقصر الفترة التي تبلورت فيها الديمقراطية والحرية وحقوق الأنسان ، بالنسبة لآلاف السنين من عمر الإنسان على هذه الأرض ، رغم دعوة الأديان السماوية لذلك ، ورغم ظهور الكثير من المفكرين والمصلحين والمنظرين لهذه المبادئ قديما ، وكلما ظهرت دعوات فاعلة وجدية لهذه المبادئ ، حتى يظهر حدث ما بالتزامن معها يخلط الأوراق ، وتنتكس تلك المسيرة ، كالحرب العالمية الأولى والثانية ، وزرع الدكتاتوريات هنا وهناك خصوصا في العالم الثالث ، بل كأنها فرص ذهبية لتصفية الخصوم من دعاة هذه المبادئ ، ثم العودة الى نقطة الصفر ، فلا أعتقد أن الديمقراطية والحرية ، قد ظهرت كتحصيل حاصل لتطور العقل البشري وتقدمه ، بقدر ما تمليه الفطرة البشرية السليمة ، فالثورة الصناعية ، وما نتج عنها من إستعمار ، قد أعاد البشرية الى عصر العبودية .
الشخص الوحيد الذي انتقد عمل هذه المنظمات - الشبح ، كالماسونية (Masonry) والمتنوّرين (Illuminati) علنا ، هو الرئيس الأمريكي (جون كينيدي) ، عندما تحداها قائلا (لن نسمح للمنظمات السرية أن تحكم بلادنا) ، هكذا تحرك مرقاب بندقية القنص نحو رأسه ، ثم انتقد حرب فييتنام بإعتبارها مُرهقة للأقتصاد الأمريكي ، فأغضب ذلك نصف موظفي البيت الأبيض الذين كانت لهم أسهما في شركات تصنيع السلاح !، ومطالبته بفرض الضرائب على أصحاب الثروات الخيالية فأغضبهم ، والقشة التي قصمت ظهر البعير ، هي مطالبته بتفتيش مفاعل (ديمونة) الأسرائيلي ، وكانت هذه التوجهات كفيلة بالضغط على الزناد فأغتيل عام 1963 ، وأستُخدِمت في مقتله اساليب إعلامية مضللة ، من إن فعل (لي هارفي أوزوالد) الذي إغتال الرئيس ، كان تصرفا منفردا ، ثم قُتل بدوره أثناء نقله لغرض التحقيق من قبل (جاك روبي) ، اليهودي من أرباب السوابق ، الذي مات في السجن بسبب سرطان الرئة حسبما إدّعوا ! ، ولا يزال الموضوع غامضا ، بل لم يُعرف لحد الآن وبالتحديد عدد الرصاصات التي أصابت الرئيس ، الذي رفضت المستشفى تسليمه للمباحث الفيدرالية لأنها لم تُكمل التحقيق العدلي ، فقامت هذه الأخيرة بإخراج جثته بقوة السلاح ! ، ومنذ ذلك الحين ، ونظرية المؤامرة وجدت ضالتها في تلكم المنظمتين ، والتي لا أجد فيها الكثير من المبالغة !.
من الصعب التفريق من حيث الأصول والتوجه بين جماعة المتنورين والماسونية ، يُقال أن البداية ظهرت في فترة الحروب الصليبية مع جماعة (فرسان الهيكل Knights of Templar) ، أي هيكل سليمان ، وهم عصبة من الفرسان عادوا إلى أوربا بعد إنتهاء الحروب الصليبية ، بعد سعيهم الدؤوب بحثا عن الكأس المقدسة (Holy Grail) ، وأنتشرت إشاعة من إنهم عثروا على كنوز سليمان السرية في بيت المقدس (لاحظ الأصل الجغرافي لهذا الفكر) ، معتمدة على ظاهرة الغنى الفاحش الذي تمتعت به هذه العصبة ، واسترعى ذلك إنتباه الكنيسة ، فلاحقتهم بلا هوادة وبلا رحمة تحت عناوين الهرطقة والمروق ، حتى كادت أن تبيدهم ، لكن أفكارهم ومبادئهم تفشت بصورة سرية الى منظمات عُرفت فيما بعد بأسم الماسونية ، أملت عليها قسوة الظروف والملاحقة ، أن تتخذ تنظيما سرّيا خيطيا صارما للغاية ، وأتبعت اسلوبا رمزيا تقليديا في تصفية المنشقين والخصوم ، كالشنق تحت القناطر والجسور، وأتخذت مزيجا من البروتوكولات الصهيونية المتطرفة ، ومعاداة الأديان الأخرى ، وبالذات المسيحية والأسلام .
الكثير ممن يعملون لصالح هاتين المنظمتين ، لا علم لهم بذلك ! ، بل دون أن يعلموا حتى بوجودها ، وشيئا فشيئا ، لم تعد الحركة الماسونية من المنظمات السرية ، ولها الآلاف من المحافل ، وأستقطبت الكثير من السياسيين على مستوى رؤساء دول ، ورجال العلم والفن والكثير من العقول الكبيرة ، تحت إسم بريء هو (حركة البنائين الأحرار ، Free Builders Association , FBA) ، ولن تجد اي صعوبة في الأستنتاج من قربها من الصهيونية العالمية ، بل إحدى إفرازاتها المباشرة ، فشعارها عبارة عن زاوية قائمة متجهة للأعلى ، وفوقها (فرجار) متجه للأسفل ، فتعطيك انطباعا واضحا أنها (نجمة داود) السداسية .
أما حركة المتنورين (Illuminati) ، وهي كلمة إيطالية ، فيُقال أنها تأسست في بافاريا الألمانية عام 1776 ، وهي منظمة راديكالية ، الغرض المعلن لها هو استخدام تنوير العقل البشري لحرية التعبير ضد التسلط السياسي ، وتم حظرها عام 1785 ، ويُقال أن مؤسسها هرب الى أمريكا ، ليبدأ بنشر دعوته هناك ، وتضم هذه المنظمة الكثير من الطقوس والرموز السرية ، وظهرت الكثير من كتب نظريات المؤامرة المعاصرة التي تعزو جميع الأحداث الجسيمة التي ألمت بالعالم ، ابتداءً من الحرب العالمية الأولى والثانية ، وجميع الأوبئة كالأيدز ، وجميع الحركات كالقومية الاشتراكية والشيوعية والصهيونية وحرب فييتنام ، لغاية أحداث 11 أيلول وغزو العراق إلى هذه المنظمة ! ، وشعارها هرم صغير بداخله عين ، تدل على أنك مُراقَب من قبل الأخ الأكبر (Big Brother) ، محور الروايتين ( V و 1984) ، وبالمناسبة أن أحداث كلتا الروايتين تقع في (لندن) ، مهد الثورة الصناعية ، وتتطرق إلى هذه المنظمات أيضا ، سلسلة الأفلام المشهورة (شيفرة دافنشي The Da Vinci Code) و (ملائكة وشياطين Angles and Demons) و (الجحيم Inferno) للكاتب (دان براون).
توجد في أمريكا وأوربا أذرع فاعلة لهذه المنظمات على شكل شركات ظل غير مسجلة وغير مدرجة ، وظيفتها الأغتيالات على مستوى عال ، أو الحماية أو التحقيق في الأمور الحساسة والسرية الغامضة ، الشخصية منها والعامة ، وبإمكان أي غني استئجارها ، بل لجأت الكثير من أجهزة استخبارات دول كبرى الى خدماتها ، ولهذه المنظمات شكلا هلاميا ، فبدلا من إفتضاح أمرها ، ستتبنى الفعل بالنيابة عنها إحدى الذيول كالمافيا أو المنظمات الأرهابية !.
نحن مبهورون من تقدم التكنولوجيا ومدى فاعليتها ، لكن تلك المنظمات تمتلك المال والنفوذ مع غياب تام للضمير لتسخيرها ، ولنا أن تصور ما معنى دعوة الماسونية العالمية علنا من خلال عشرات النُصُب ، بتخفيض نفوس العالم الى نصف مليار شخص من نخبة أصحاب المال والعلم والفن والاقتصاد ، خصوصا وأن هذه المنظمة تستقطب أكبر العقول ، وليس هنالك أي حرج من إدّعائها ، من أن الفقراء يمثلون عبئا على العالم .
لم نكن نسمع عن (الأيدز) قبل الثمانينات ، ثم ظهرت بعده دزينة من الفايروسات ، كجنون البقر وانفلونزا الطيور والخنازير والأيبولا وغيرها ، ثم حرب المياه والتلوث البيئي والأزمات المالية والأقتصادية والتلاعب ببورصات الموارد العالمية كالنفط ، ونشر (المثلية) وإفشاء الإلحاد والإرهاب وتنصيب ودعم الحكومات الفاسدة ، والأغتيالات ، وإفراغ البلاد النامية من كفاءاتها وإجهاض أي تقدم علمي فيها ، لكن أكثرالأساليب فاعلية ، هي إفتعال الحروب لغرض بيع السلاح ، بإعتبار أن تجارة السلاح تدُرّ أرباحا لا تُقارن بالصناعة المدنية ، وتفوقها بمئات الأضعاف ، وفي كل الأحوال ، سيكون الفقراء هم الضحايا من خلال (فلترة) جهنمية ، فالفقراء غير قادرين على شراء المصل المضاد للأوبئة ، وسيتولى تسليط الأنظمة الفاسدة عليهم الباقي ! ، هكذا إجتمعت مصالح هذه المنظمات مع كبرى شركات المال وكارتلات تجارة النفط والسياسة والصناعة ، المصالح هو القاسم المشترك ، والتي أزاحت ما تبقى من مبادئ ، ونحن نعيش عصر إنقراضها .
لا أحد في مأمن من التجسس ، فمحركات البحث العملاقة ، والبريد الإلكتروني ، بل الهاتف النقال ، هي الأدوات الأكثر شيوعا للحصول على المعلومات الشخصية من كل فرد ، ومعالجتها في مواقع إلكترونية عملاقة ، وبالتالي انشاء صحيفة عن كل شخص ، فيها كل المعلومات عن عاداته ، توجّهاته الفكرية ، أسماء أصدقائه ، ويخرج (الأخ الأكبر) بدراسة نفسية شاملة ! ، فلا شي بالمجان ، ويجب أن يكون بمقابل ، وبعدة دواعٍ ليست خفية ، كالتسخير التجاري والدعائي ، ودعوى تحت عنوان كبير هو محاربة الأرهاب ، ونسمع بين فترة وأخرى فضيحة هنا وهناك للتجسس عن طريق الجوال ، لشخصيات سياسية كبيرة .
مقالات اخرى للكاتب