عندما نَتحدث عن تغاضي قوات الاحتلال الأمريكي عن عمليات نهب وإحراق وسرقة وتدمير المؤسسات الحيوية العراقية فأننا لا نضيف جديدا.
فهذا التغاضي طبقا للوقائع فانه كان مشبوها ويثير الشكوك لان المستهدف كان تراث وحضارة وذاكرة العراق فقوات الاحتلال غضت النظر عن العصابات الدولية من اللصوص لسرقة حضارة وادي الرافدين بفتح أبواب المتحف العراقي أمام الساعين لتدمير ذاكرة العراق فشهد المتحف مجزرة حقيقية تجلت بتحطيم شواهد حضارة وادي الرافدين ورموزها وجرى تهريبها من قبل محترفين كانوا ينتظرون هذه اللحظة.
وطبقا لإحصائية المشرفين على المتحف العراقي فقد تم تحطيم وسرقة نحو 100 ألف قطعة أثرية تعود لحقب متعددة مرت بالعراق لا تقدر بثمن جرى بيعها في مزادات عالمية.
لم يقتصر الأمر على ما جرى في المتحف العراقي وإنما امتدت يد اللصوص إلى أرشيف الدولة العراقية منذ تأسيسها عام 1921 ولغاية 2003 التي كانت مخزونة في المكتبة الوطنية وقدرت عدد الوثائق بنحو نصف مليون وثيقة إضافة إلى عيون الكتب التي أحرقت ودمرت بفعل نفس اللصوص الذين دمروا وسرقوا المتحف العراقي.
الذي يدعو للفخر في تلك الأيام التي عاشها العراق قيام السكان المقيمين بجوار المكتبة الوطنية بــإنقاذ آلاف الوثائق والكتب وخزنها في منازلهم إحساسا منهم أنها ملك لجميع العراقيين فأعادوها إلى المكتبة لاحقا وحتى تكتمل هذه الصفحة الخطيرة وضعت قوات الاحتلال يدها على الأرشيف اليهودي ونقلته إلى الولايات المتحدة بحجة إعادة تأهيله والحفاظ عليه من العبث ورغم المطالبات العراقية فان السلطات الأمريكية لم تعد الأرشيف الذي يحتوى على نماذج من التوراة ويوثق تاريخ اليهود في العراق.
وإذا عدنا إلى ما جرى خلال التاسع من نيسان 2003 فأننا نستذكر مشاهد حرق وتدمير مؤسسات الدولة العراقية لا سيما المتعلقة بأحوال وذاكرة العراقيين وممتلكاتهم أمام أنظار القوات الأمريكية في حين حرصت قوات الاحتلال على تأمين الحماية على البنك المركزي العراقي ووزارة النفط.
إن ما جرى في تلك الأيام من تاريخ العراق وما أصاب ذاكرته وحضارته وأرشيفه فانه بات على الحريصين على العراق السعي بكل الوسائل والسبل لاستعادة ما تم سرقته بمشاركة منظمة اليونسكو عبر حملة دولية لوضع حد لتكرار هذه المأساة التي استهدفت أقدم حضارة في العالم.
هذا المقترح برغم صعوبته فان على المعنيين والحريصين على تراث وذاكرة وحضارة بلادهم العمل على ملاحقة اللصوص والعصابات والدول التي ساعدتهم على فعلتهم وسوقهم للقضاء لان ما قاموا به يرتقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية..
مقالات اخرى للكاتب