أخطأ سيبويه وألحن فأقسم ان يكون عالماً بالنحو وأجُبر الكرباسي على تعلمه فشغف به حباً ، فكان وفياً مخلصاً له، فصانه عن الخطأ ودافع عنه حتى رحيله. فقد ذُكر ان سيبويه عالم العربيّة الشهير كان طالباً عند حمّاد ابن سلمه مفتي البصرة ، وكان حريصاً على حضور درسه فسمعه يوماً يقول : ( قال رسول الله (ص) ليس من أصحابي إلا من لو شئت لأ خذت عليه ليس أبا الدرداء) فظن سيبويه ان حمّاد أخطأ في ( ليس أبا الدرداء) فأراد ان يصحح له ، فقال حمّاد بعد أن ابتسم لتلميذه لحنت وأخطأت ياسيبويه ليس هذا حيث ذهبت إنما ليس ها هنا استثناء ، فقال سيبويه حينها لا جرم سأطلب علماً لا تلحنِّي فيه أي لا تخطِّئني فيه. فخُلد سيبويه بعلمه وترك لنا ارثاً عظيماً حفظ لغتنا من اللحن وصانها من الخطأ كما أرسى قواعدها ابو الأسود الدؤلي بمشورة امام البيان الامام علي ابن ابي طالب ، لم تتوقف مسيرة الاهتمام بلغة العرب ، فتفاخرت المدن العربية باحتضانها للغة القران ، لكن النجف حازت قصب السبق بفضل رجالاتها وعلمائها الذين حملوها هماً ، فكان محمد جعفر الكرباسي ابنها البار وفارسها الأول الذي كان تواقاً ان يكمل تعليمه الأكاديمي في المدارس الحكومية إلا ان والده اخرجه منها مرغماً ، فيما اجبره خاله على تعلم اللغة العربية وحضور دروسها عند المشايخ، فشغف بها حباً وأبدع بها فأقسم ان يكون وفياً لها وان يحافظ عليها من اللحن ويصونها من الخطأ ، ارتدى العمة على يد المرجع السيد ابو الحسن الأصفهاني فكان هذا الحدث إيذاناً ببداية مرحلةٍ جديدة في حياته ، فراح يولع بالعربية وآدابها وجمالها ، إلا انه لم ينسى حلمه في التعليم الرسمي فدخل الثانوية وتخرج منها وأكمل تعليمه الجامعي في كلية الفقه وأصبح واحداً من أساتذتها ، يُشكل على كثيرٍ من الأساتذة في لغتهم ، وكان للشعراء نصيب من النقد عند الشيخ ، يشعر بالمتعة حينما يغوص في اعماق العربية ليستخرج الغث والسمين منها، حتى صارَ مرجعاً لغوياً لا يشق له غبار ، ولا يستغني عنه كبار العلماء والمراجع في تصحيح كتبهم ومباحثهم العلمية . أنفق خمسة عشر عاماً من عمره في كتابه الشهير ( إعراب القران) الذي منع ان يطبع أيام النظام السابق ، و كتب العديد من الكتب كـ مواقع حالات الاعراب وأوثق الحقائق في أقوال الامام الصادق وصحائف من نهج البلاغة ، الرسائل التامة في فروق اللغة العامة. والمنتخب من كلام العرب ونهج التقى في شرح قطر الندى وغيرها . أخذ نصيبه من الألم حينما استشهد ولديه وأخوه جراء سياسات النظام السابق العبثية. رحل عنا وغادرنا ففقدت العربية رائداً من روادها الافذاذ ، رحل فخسر العراق والعرب وخسرت النجف رجلاً من رجالتها الذين طالما حق لها أن تتفاخر به ، رحل وفي قلبه حسرة لما آلت اليه لغة العرب ، لم يكن الكرباسي لغوياً عابراً بل كان عالماً بفنون اللغة وفلسفتها، انه أخر الأئمة النحاة . هكذا هي الرجال تعرف بآثارهاولا تعرف الأثار بالرجال.