هنالك قصة معبّرة من الفلكلور الصيني ، تبين لنا كيف يدفع جنون الطغاة للسلطة ، الى التنازل عن كل شيء من أجلها ، عندها يغيب العقل ويُستبعد المنطق ، وتُستبدل الأنسانية بالوحشية ، وتختفي الحكمة ليحل محلها العهر السياسي !. يُحكى أن هنالك أمبراطورا طاغية صينيا ، طلب من النسّاجين أن يصنعوا له هنداما لا مثيل له على الأرض مقابل مكافأة سخية ، وكيف لا ، فلكل ما للطغاة يجب أن لا يكون له مثيل ، أنها عقدة التفرد في كل شيء ، وبذلك يتنصل حتى من صفته الأنسانية ، فيتنكر لها بأعتبارها القاسم المشترك مع المحكومين العوام ، لهذا يخلع على نفسه صفة (الألوهية) ، وبالطبع بتشجيع من الرعية ، التي لاتكف عن النفخ فيه حتى يصير بالونا كبيرا ، لكنه فارغ الا من الأنفاس النتنة التي نفخته ، والتاريخ يحدثنا ، أن مصير كل هذه البالونات هو أن تُـفـقأ دون أن تحدث صوتا ، ولكن هل من متعظ ؟!.تبرّع اثنان من النسّاجين الأذكياء ، فأحضروا عُدَدهم وأبرهم الى القصر الأمبراطوري ، وتظاهروا بالنسج والخياطة ، كان الأمبراطور يمر عليهم ، وهو يراهم يضعون الخيط في خرم الأبرة ، لكنه لا يرى خيطا ، فسألهم : أين الخيط ؟ فأجاباه : انها أغلى الخيوط في العالم ، فهو غير مرئي ! ، أقتنع الأمبراطورالغبي ومكثوا في القصر اياما طويلة ، مستمتعان بما لذ وطاب من الطعام والشراب والجواري والخدم والحشم ، حتى أنهوا القميص المزعوم ، فألبساه للأمبراطور وهولا يرى شيئا ، تظاهر أحدهما بأنه يُدخل القميص في رأس الأمبراطور ، وتظاهر الأخر أنه يُلبسه الأكمام ! ، والأمبراطور الغبي مقتنع ، بسبب هوسه بأقتناء كل ما لا مثيل له !.هكذا قبض النسّاجان مكافأتهم المجزية ولاذا بالفرار ، فأراد الأمبراطور الخروج الى رعيته متباهيا بحلّته الجديدة ، فخرج اليهم ، فرآه جمهوره عاريا وتعالت الضحكات من مظهره ، لكنه استغرب ، ففي نظره هو مقتنعٌ أنه محتشم ، والناس على خطأ لأنهم لا (يفهمون) ماذا يرتدي !. فأشاح بوجهه عنهم متكبرا ، ليولّيه شطر مجموعة صغيرة من المتزلفين ، وهم يرددون هتافات التحية والتعظيم ، فيرد عليهم !.للحكاية هذه رابطٌ قوي عزيزي القارئ ، فعقلية هذا الأمبراطور شبيهة بعقلية سياسيينا من كل النواحي ، لقد كشفنا سوآتهم منذ زمن بعيد ، مع أن قناعتهم المريضة تملي عليهم العكس ، والنساجان يشبهان الوسيط البريطاني الذي باع لنا أجهزة كشف المتفجرات ! ، لكن المصيبة انها أظهرت حكومتنا للعالم عارية ومثال للغباء كالأمبراطور ! ، والمصيبة الأكبر حمامات الدم اليومية ، ونحن ندفع ثمن غباء وفساد حكومتنا .
مقالات اخرى للكاتب