الثراء االفاحش والامتيازات والرواتب والمخصصات، التي لم يشهد لها مثيل في تاريخ الدول، وتحويل العراق ارضا وثروات وشعبا الى حصص وغنائم تقاسمتها الاحزاب الحاكمة فيما بينها، ليس ظلما واجحافا واستخفافا بالشعب العراقي فقط، انما اسباب قد اسهمت في اتساع رقعة الارهاب وفي اشعال حرائقه وزيادة اعداده مجنديه.
فالارهاب وان كانت تعاليمه خليط من الوهابية والسلفية والاصولية الطائفية ومن الحقد البعثي الصدامي، الا انه ايضا، وفي جزء كبير منه صراع على السلطة، ليس بهدف فرض الاسلام بنسخته الوهابية او تسنين الدولة كرد فعل على تشييعها، انما لغايات الحرمنة واللصوصية والفرهدة العامة، اذ ان نوعية المتسلطين الحاكمين، وشكل ادارتهم للدولة يفرز اعداء وخصوما لهم نفس الصفات في المتناقض الاخر، ولأن الذين يحكمون العراق اليوم، يمكن تصنيفهم الى طائفيين مذهبيين، والى لصوص ومحتالين، والى عديمي الكفاءة والمقدرة والخبرة، الذين بين ليلة وضحاها اصبحوا وزراء ومدراء وسفراء وقادة عسكرين بعد ان كانوا عاطلين عن العمل او مزورجية او دلالي حملات حج وزيارة او بقالين او روزخونية، فان خصومهم وان اختلفوا عنهم بالانتماء المذهبي، الا انهم لايختلفون لا في شرائحهم الاجتماعية ولا في سطحية ثقافتهم ولا في الغايات او الاهداف.
من ناحية اخرى، ان الصف الاول من قادة الاحزاب الحاكمة، الذين وبسرعة قياسية، ودون ان يتعبوا او يشقوا او يغامروا بانفسهم قد اصبحوا من كبار المليونيرات والثروات والشركات ولاستثمارات، الذين وان اخذوا امراء الخليج واغنيائهم كنماذج اقتدائية لهم، الا انهم قد تميزوا عن هؤلاء الامراء الخليجيين، بامتلاكهم المليشيات والقوات الضاربة والفضائيات والاحزاب والجوامع والحسينيات والمرجعيات والصحف والمكاتب في كل انحاء العالم والتي تكاليفها تبلغ ملايين الدولارت شهريا، دون ان يكشف مالكوا هذه الاحزاب عن مصادر ثرواتهم وتمويلهم، فكل شيء يبقى في قيد المجهول، المضحك ان الشعب الخامل يخشى حتى التكهنات عن هذه الثروات الهائلة.
لقد تحولت الاحزاب الحاكمة في العراق، من احزاب سياسية الى شركات توظيف وتوزيع المناصب والرتب العسكرية، قد تحولت الى شركات سياسية تمويلها يتم عبر ما تحصل عليه من اموال الفساد المشرعن او شبه المشرعن او من الفوائد التي تحصل عليها من احالة العقود والمشاريع على شركات او دول بعينها مقابل عمولات مليونية.
هذه الاحزاب( او الشركات السياسة) لا تملك برنامجا حزبيا ولا نظاما داخليا، فقد اصبحت ملكية شخصية لرئيس الحزب او لرئيس التيار، وحياة الحزب وضمان استمرار بقاءه وكل شان من شؤنه مرتبط برغبة مالكه، فان شاء حله وان شاء غير اسمه وان شاء قسمه وان شاء جعل اعلاه اسفله او غير هندام وازياء رجاله او اختار مكان الترشيح الانتخابي لهم.
ان هذه الحقيقة تعني ان من يحكم العراق اليوم، او من يتحاصص العملية السياسية، ليست الاحزاب، انما مجموعة من قادة الاحزاب الذين لخلافاتهم الشخصية وعدم اتفاقهم على تزويع الفرهود فيما بينهم، وعدم رضاهم بالمناصب الموضوعة في سلة حصتهم، تلعب دورا كبيرا في تدهور وتعثر ما يسمى بالعملية السياسية في العراق، وفي زيادة حدة الارهاب.
فالخلافات بين مالكي الاحزاب، هي خلافات حول الغنائم ، وما يسمى بتهميش السنة ليس سوى تعبيرا عن حالة عدم الرضى بكمية ونوعية الغنيمة عند الخصوم الذين وان كان بعضهم ضمن العملية السياسة، الا انهم اختاروا الارهاب كوسيلة لتقوية المراكز وفرض الشروط مثل طارق الهاشمي.
كما يجدر الاشارة ايضا، الى ان الاحزاب السياسية ليس وحدها المملوكة للاشخاص المؤثرين في الحكومة، بل ان جميع مرافق الدولة اصبحت بدورها املاكا لهم، مثل الوزارات والسفارات والادرات وغيرها، بل حتى المحافظات والاقضية والمدن اصبحت ملكيات واقطاعيات لهم.
لقد اصبح امرا عاديا لا يثير العجب ولا يتطلب التحقيق مطلقا بان ارهابي قديم وسياسي لاحق ونائب برلماني سابق يتقاضى راتبا تقاعديا ضخما مع مخصصات حراسة كاملة وهو في الاردن{خلف عليان} بان يقول وبكل صراحة بان ايهم السامرائي عرض عليه مليوني دولار لشراء وزارة الكهرباء. كذلك حال اهم وزارة مثل الدفاع فقد بيعت بسعر 10 ملايين دولار على عبد القادر العبيدي.
كما ان الطريق الى مجلس النواب لا يمكن تصوره الا عبر مالك الشركة-الحزب او عبر كلائه، رغبة ورضا المالك هي الحاسمة وليس الانتخاب او عدد الاصوات التي يحصل عليها المرشح.
هؤلاء النواب الفلتة، هم من اختارهم مالك الحزب-الشركة وليس من اختارهم الشعب، لذلك، واذا كان لا بد من تقاعد او من حراسات، فعلى سيدهم وولي نعمتهم ان يدفع لهم تقاعدهم او يؤجر لهم حراسهم وليس الشعب.
مقالات اخرى للكاتب