تُعتبر الإشاعة من أهم الوسائل التي تتبعها بعض الجهات من اجل أثارة الريبة والهلع بين الناس, مستغلين في ذلك وجود نسبٌ كبيرة من المواطنين ممن تأخذهم بعض ألأمور إلى التصديق دون التحقق من مصدرها والغاية والغرض منها . والإشاعة هي أحد أساليب الحرب النفسية المهمة والخطيرة في نفس الوقت , والغاية دائماً من نشرها هو خلق حالة من الهلع وعدم الثقة ما بين الناس أنفسهم , ويتصاعد إلى أن يشعر الناس بعدم الثقة بأركان الدولة وبالتحديد الأجهزة الأمنية منها . وتستخدم ألإشاعة بكثرة في المعارك الحربية. وتعتبر من وسائل الحروب المهمة , والتي تساهم في أضعاف نفسية المقاتل وإجباره على الدخول في دوامة التفكير. وهذه ألأمور سوف تشتت الفكر وتولد حالة من الخلل وعدم الترابط بين القوات العسكرية وبالأخص أن كانت في مواجهة عسكرية مع قوى أخرى .
ولقد تم ألاهتمام بهذا العلم من قبل الكثير من الدول وبالأخص الكبرى , والتي دائماً ما تكون في صراع أو نزاع سياسي أو أمني مع دول أخرى , أو حتى بعض الدول ذات ألأنظمة الشمولية تستخدم الإشاعة من اجل خلق حالة من الهلع بين مواطنيها لغايات أهمها البقاء في السلطة وإخضاع الشعوب لرغبات ومطالب هذا الطاغية أو ذاك . وخلق حالة من عدم ألإيمان بالتغير أن وجد في هذه الأنظمة الشمولية , ومحاولة إفهام الناس بأن أي تغير سوف يولد الخراب والدمار والكوارث , أو من خلال بث الشائعات حول القصص الأسطورية والخرافات للزعيم الأوحد أو القائد الضرورة.
وتختلف درجة تقبل ألإشاعة من مجتمع إلى أخر أو من جماعة إلى أخرى حسب درجة الوعي والثقافة والانفتاح والتطور في أي من تلك المسميات , وهنا نلاحظ بأن ألإشاعة دائماً قبل ما يتم بثها يخضع الطرف المستلم( المجتمع أو جهة محددة) للإشاعة , إلى دراسة من كافه النواحي والمعطيات, وهذا الدراسة تكون من الدقة بحيث تجمع كل الطرق والأساليب ونقاط الضعف التي تتركز عليها نجاح الإشاعة ومن ثم تطويرها وبعد ذلك النجاح الأكبر بأن تجد لها مساحة أوسع بين المتلقي.
كذلك يتم ألاعتماد في نشر ألإشاعة على مبدأ الخوف , فأينما وجد الخوف أصبح النجاح حليف أي إشاعة تطلق هنا وهناك , لأن الناس عندما تشعر بالخوف تفتح كل حواسها وبالأخص السمعية إلى أي كلمة أو جملة تقال هنا وهناك. وهم بالأساس لا يفهمون ولا يعرفون الغاية والمصدر لتلك الجملة أو الكلمة . والإشاعة تنتشر بين مجتمع أو جماعة معينة بقدر تعلق موضوع الإشاعة بهم .
ويعتمد ألاهتمام هنا بهذه الإشاعة وتقبلها على أمرين هما :.
أولا : أهمية الموضوع أي موضوع ألإشاعة وتعلقه بتلك الجماعة أو المجتمع .
ثانياً : الغموض المحيط بالموضوع المطروح من خلال الإشاعة وبالأخص أن كان يحتوى أمر مهم وهو وجود علاقة بين الإشاعة وحياة أفراد من تلك الجماعة أو المجتمع .
ومثال على ذلك حادثة (11 سبتمبر) في أمريكا عندما تمت مهاجمة برجي مركز التجارة العالمي , والتي كانت السبب في ما يسمى معارك محاربة ألإرهاب التي قادتها الولايات المتحدة بعد ذلك على كل من أفغانستان والعراق وغيرها من الدول الأخرى بطرق مختلفة منها التدخل العسكري والتدخل بالشأن والتهديد أو التلويح بالخيار العسكري لبعض الدول . الملاحظ في هذه الحادثة أنها كانت هامة جداً باعتبارها تناولت حياة جميع ألأمريكيين ومصيرهم , كما أنها كانت حادثة غامضة على اعتبار أنها كانت مفاجئة للمواطن ألأمريكي الذي لم يكن يتوقعها , ومن هنا كان للإشاعة دور كبير من خلال موجة الشائعات التي لحقت بعد الحادث ومنها أن أمريكا تتعرض لحرب كبيرة وخطرة , وثمة خيانة داخلية من بعض ألأقليات الكثيرة والمتنوعة كادت أن تحطم معنويات الأمريكيين . والغموض الذي أتسمت به هذه الحادثة يستند على انعدام ألإخبار الموثقة بالجهة المسببة أو الطريقة أو الكيفية التي تم بها هذا الحادث في بدايته . والغموض هنا يساهم في أيجاد حالة من انتشار للإخبار المتضاربة والغير صحيحة .
وفي هذه الحادثة نجد أيضاً أنها تميزت بالكثير من الأشياء الأخرى , ومنها أنها أعطت انطباعا علن الحالة النفسية للمواطن ألأمريكي , وردود الفعل وتوترات كثيرة أثرت على نفسيته أو حتى تصرفاته , كذلك ساعدت تلك الإشاعات على تفسير حالة القلق التي عاشها ألأمريكيين . وكيف لا يقلق المواطن وهو يسمع الشائعات التي تقول أن بلاده تتعرض لحرب كبيرة وخطيرة وقد يرتبط بها مصير مجهول ومستقبل غامض . وهكذا نجد أغلب الشائعات منذ البداية ركزت على الأقليات المتواجدة في أمريكا , مما جعل الشعب ألأمريكي يصب جام غضبه عليها .
كذلك يكون للإشاعة دور كبير ومكان جيد وانتشار بين الأقليات العرقية والدينية أو القومية وسواها من خلال أن الإشاعة تدور حول هذه ألأقليات أو تهاجمها . مما يولد حالة من الذعر لديها وأحياناً تطالب بتدخل من اجل حمايتها من الخطر المحدق بها . ومن الأمور النفسية المهمة التي يمكننا استنتاجها من ألإشاعة . هو أنها مهما كان نوعها ايجابيا أم سلبياً . فأنها توصلنا إلى شيء مهم .وهو (أن لوم ألآخرين لا يفسر القلق النفسي والفكري للإفراد بل هو متنفس لهم , وليس مهماً أن يكون الموجه له اللوم مذنباً أو غير مذنب مادام اللوم يخفف الضغط النفسي والعاطفي والتوتر العصبي ).
وتقسم ألإشاعة إلى نوعين مهمين هما :.
أولاً : ألإشاعة القصيرة : وهي التي تحتوى على عدد من الكلمات مع معنى واضح ومغزى يراد الوصول أليه بين الناس بأسرع وقت , ويتميز هذا النوع بأنه سهل التداول والانتشار والتكرار بين الناس مما يولد حالة نجاح للغاية التي من أجلها تم بث هذه ألإشاعة . وهنا تكون ألإشاعة القصيرة أكثر نجاحاً وتقبل بين الناس , كما أنه يصعب تغيرها لكونها اقتصرت على معنى وطريقة مصغرة لحالة معينة , وكذلك كونها سريعة الحفظ لدى ألآخرين , وكما أسلفنا بأن البعض عندما يسمع بأمور يشعر من خلالها بالخطر أو الترقب لوضعه أو للمجتمع المحيط به عندها نجد كل الحواس لدية ( السمعية والبصرية) مستعدة لاستقبال وترديد ما يتم تداوله من مواضيع وبالأخص الشائعات .
ثانيا: ألإشاعة الطويلة : وهي النوع الذي يعتمد على رواية تكون مطولة ومليئة بالكثير من ألأمور والمواضيع , وهذا النوع من الشائعات قد يحقق النتيجة , لكن ليس بقدر الصنف أو النوع ألأول من الشائعات وهي القصيرة , والسبب كثرة الكلمات وتداخل المواضيع , وأحيانا تكون صعوبة في تداولها بين الناس , وحتى وأن تم تداولها فستكون مجزئه وليست كاملة , وهي تكثر في المجتمعات التي تعيش على تهويل ألأمور وإعطائها وضعاً أسطورياً والسبب التخلف والجهل وعدم مواكبة التطور الفكري والعلمي , كما أن لهذا النوع عمر قصير جداً وأحياناً كثيرة تنتهي دون الوصول إلى الغاية ألأساسية من أطلاقها لكون من أطلقها وعمل على أيجاد مناخ لها ليس ضليع ( بعلم ألإشاعة) بل لمجرد التهويل وإثارة البلبلة .
ولعل من الصفات المهمة التي نجدها في ألإشاعة والتي بدورها تجد القبول والانتشار , هو احتوائها على ألأتي :.
أولاً : الكلمات الغريبة: تتميز بعض الشائعات بكلمات غريبة وذات صدى لدى الناس أو المستقبل للإشاعة . وهذا الكلمات سوف تساهم في انتشارها بكثرة وبسرعة , وتبقى تلك الكلمات عنوان ومضمون خاص بالإشاعة حتى وان تم تحريف أو تغير باقي أطراف القصة المراد بها أو التي تعتمد عليها ألإشاعة .
ثانياً : ألأرقام : أن احتواء ألإشاعة على أرقام معينة مثلاً لعدد من الضحايا أو المفقودين أو أي عدد رقمي أخر سوف يكون عامل لانتشارها بين الناس وبالأخص الذين تخصهم الإشاعة وتتعلق بهم .
ثالثاً : الزمن والتوقيت : يقوم ويعمل الكثير من مروجي الإشاعة أو الأجهزة الداعمة لهم على نشرها بوضعها الحاضر والزمن الحاضر , لكون الكثير من الناس تميل إلى حاضرها ولا تلتفت للماضي بشيء , كذلك بعض الشائعات تكون مستقبلية . والى زمن قادم ,ولكن على أساس أن يكون القادم قصير المدى حتى يستطيع مطلق الإشاعة من أيجاد وتوفير مناخ ملائم لها .
رابعاً : العنــوان : أن وضع عنوان لبعض الشائعات من شأنه أن يولد الكثير من ألاهتمام وبالأخص عندما يكون العنوان خاص لجهة معينة سياسية أو دينية أو مذهبية أو عقائدية . وهذه ألأمور وبالتحديد الدينية من شأنها أن تعمل على أثارة النعرة وحتى ألاقتتال الطائفي بين الدين الواحد وليس فقط بين الأديان , وكذلك الحال ينطبق على السياسة وغيرها من العناوين الأخرى , والعنوان دائماً يحدد ولا يكون مفتوحاً للعديد من الخيارات , لأن مطلق الإشاعة بهذا الأمر يريد شيء محدد يعمل من خلاله على تحقيق مأربه .
خامساً : التفسير : قد يضاف إلى ألإشاعة تفسير لما تحتويه من أمر معين , وهنا التفسير يلعب دور كبير في أيجاد قبول وتصديق من ألآخرين مع ألأسف الشديد . وهذا التفسير يصاحب بعض الشائعات المهمة والتي يخاف مطلقها أن تنحرف على متطلبات أطلاقها , فيتم أضافه التفسير معها من اجل المحافظة عليها من الفشل وكذلك لأهمية الموضوع الذي تحمله .
أن ألإشاعة أصبحت إحدى ألأسلحة المهمة للكثير لكونها لا تسبب ألأذى لمطلقها وفي نفس الوقت قد تأتي بثمارها والأسباب التي من شأنها أطلقت , وهي إحدى طرق الحرب النفسية الحديثة , والتي مع الأسف الشديد إلى ألان لم نجد مكاناً أو منظومة أو جهة مهتمة بها وتدرسها وتعمل على إيقاف أو محاربة انتشارها بين الناس وبالأخص الدول التي تعاني من الكثير من ألازمات السياسية والأمنية والعراق خير دليل على ذلك , كذلك الإعلام بكافة مسمياته الحكومية أو التابعة لأحزاب أو شخصيات , فهي الأخرى تمارس أحيانا نوع من ألإسهام في نشر الإشاعة بدون قصد أو عن قصد و الحال نفسه على الصحف وحتى المواقع ألالكترونية المتعددة .
وللعمل على الحد من الشائعات وانتشارها . هنا نجد من الواجب أن نبدأ بالاهتمام بالأجهزة المعلوماتية وهي الاستخبارات والمخابرات , وكذلك الإهتمام بالجانب الإعلامي الحكومي . كما أنه مهم جداً البداية من المراحل الأولية للدراسة وهي المراحل الابتدائية عن طريق أعطاء بعض الدروس البسيطة صعوداً إلى المراحل الأخرى وصولاً إلى المراحل الجامعية والأكاديمية والمعاهد من خلال تحديد حصة أو وقت مناسب يتم به تذكير الطلاب بالأسباب والغايات والمسببات للإشاعة , كما يتم تعليمهم طريقة محاربتها من خلال الطلب منهم التأكد من أي كلام يتناقل قبل الحكم به , وبالتحديد ما يخص الوضع السياسي والأمني . كما واجب الجهات الحكومية وبالأخص ألأمنية منها أن تعمل على عقد الندوات والمؤتمرات التي تشرح الكيفية التي يتصدى بها المواطن للإشاعة والتي أغلبها تصب في الضد من الوطن والشعب أو تعمل على أثارة الاقتتال الطائفي والتفرقة . وعلى الجهات كذلك متابعة كل ما يتم التوصل آلية من هذه الندوات وتقييم ما يتم طرحة حتى نصل لمرحلة مهمة في محاربة ألإشاعة . كما يمكننا الاستفادة من التقنية والتطور العلمي على صعيد ألاتصالات وغيرها من خلال شرح المفهوم والغاية للإشاعة ووضع الحلول لها .
ختاماً حان الوقت للبداية الحقيقية للتطوير الفكري والاجتماعي للفرد وجميع مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني بالتعاون مع المختصين بعلم النفس وعلم الاجتماع من ألأكاديميين العراقيين . حتى نستطيع من كل ذلك خلق مناخ مناسب نحارب من خلاله الشائعات التي كانت أهم ألأسباب في تدهور الكثير من ألأمور في العراق وساهمت بعد ذلك في ألألم والحرمان للشعب وأسست للكثير من الأفكار الغريبة والدخيلة على مجتمع . لكن لازال بالإمكان تصحيح الكثير من السلبيات لو فقط عملنا بجد وإخلاص ووضعنا الوطن والشعب أولاً .
سلامات يا إشاعة .. اخ منك يالساني