سألني احد الزملاء قبل يومين، إن كنت قد ذهبت خلال هذه الأيام الى محافظة الناصرية عبر الطريق السريع؟
فقلت له: كلا، فقد كانت آخر زيارة لي قبل سنة تقريباً..
ثم سألت زميلي مستفسراً عن سبب طرح هذا السؤال.. وهل ثمة شيء قد حدث خلال هذه الأيام يستدعي المرور؟
فقال: أردت أن اسألك إن كنت قد إنتبهت (لصور) وزير الإسكان والإعمار طارق الخيكاني في ذلك الشارع؟
قلت: لا والله لم انتبه لذلك وقتها.. ثم إن السيد الخيكاني لم يكن قد إستقرعلى كرسي الوزارة آنذاك كي ينشر صوره. ثم أكملت حديثي معه، وقلت بتلقائية:
-وما هي المشكلة.. فهو وزير شاب، وطموح، ولم يشبع من (السلطة) بعد.. ثم هل ان الرجل وحده - في الحكومة العراقية - ينشر صوره في الشوارع والساحات العامة..؟
لكن زميلي قاطعني، وقال: والله يا خويه كلهم (بكوم)، والخيكاني (بكوم).. فهذا الرجل وضع بين كل كيلو متر، وكيلو متر صورة له، ومعها عبارة تتكرر في كل الصور: (الأستاذ طارق الخيكاني وزيرالإعمار والإسكان)!
حتى أن أحد الأخوة من ركاب السيارة التي أقلتنا الى الناصرية - والحديث لم يزل لزميلي - علق ضاحكاً:
- أقترح على الدولة أن تسمي هذا الشارع المزدحم بصور الوزير، (بشارع الأستاذ طارق الخيكاني)!!
قلت له: إنه تقليد موجود في كل دول العالم، حيث يؤشر، أو يدون إسم المهندس، أو المصمم، أو المؤسس، أو الجهة المنجرة لكل مشروع عملاق، على واجهة ذلك الإنجاز.. فلماذا تستغرب وجود إسم الوزير الخيكاني، أو صورته على مشروع عظيم تم إنجازه في عهده..؟
فضحك صديقي، وقال: أولاً، أن الشارع الدولي السريع منجزٌ في عهد (مشعول اللشة) صدام قبل عشرين سنة! ثانياً، لو نفرض أن هذا الشارع من إنجاز وزارة الإعمار فعلاً، ولنفرض أنه أنجز في عهد الخيكاني، فهل يصبح هذا الشارع (ملك طابو) للخيكاني، لأن معاليه وزير هذه الوزارة.. وهل أن الخيكاني صرف على هذا المشروع من جيبه الخاص، كي يصبح ملكاً له.. ثم لو نفرض أن الخيكاني قد صرف عليه من جيبه الخاص فعلاً، فهل يجوز له أن ينشر عشرات الصور على طول الشارع، ألم يسمع الوزير الخيكاني بأن (السيد مقتدى الصدر) قد أمر برفع صوره، وصور آل الصدر أيضاً، رضوان الله عليهم، وهم الأرفع منزلة وعلماً وتضحية، وعطاء منه؟! خاصة وإن (الأستاذ) الخيكاني واحدٌ من أبناء هذا الخط الجهادي، البعيد عن البهرجة والفخفخة والصور وغيرها؟ وقبل أن أطرح سؤالي، قاطعني الزميل قائلاً:- هل تصدق أن مشروعاً قديماً في شارع النضال (قرب شركة آشور)، كان مُنجزاً منذ أيام الوزير السابق للإعمار والإسكان.. لكن الوزير طارق الخيكاني، شطب إسم الوزير السابق، وكتب إسمه بدلاً عنه، (وطبعاً) فقد وضع صورته أيضاً!! قلت له:- هل تظن ان الوزير يذهب بنفسه، ليشطب إسم الوزير السابق، وهو زميله، وأخوه، وبنفس خطه، وكتلته، ليضع إسمه، وصورته بدلاً عنه.. أنا لا أصدق ذلك أبداً.. أظن- وهذا رأيي- أن الرجل بعيد عن أداء هكذا أفعال.. ويقيني التام أنه لايعلم بما يفعله (الآخرون) تملقاً وتزلفاً له وإلاَّ فمن المستحيل أن يوافق على نشر هذه الصور، لو كان قد رآها!!
فضحك زميلي، وقال: إذا كانت الناصرية بعيدة عليك.. فأرجوك أن تذهب الى الحلة أو الى كربلاء، على الرغم من إني متأكد من أنك تزور كربلاء مرة، او مرتين في الشهر إن لم أقل في كل اسبوع، وسؤالي لك: ألم تر، وأنت تذهب الى كربلاء صور الوزير الخيكاني مرفوعة على لوحات حديدية كبيرة في أغلب تقاطعات الطريق.. وهل تظن أن معاليه لم ير هذه الصور، وهو إبن كربلاء، ولديه مكتب خاص فيها، ويذهب لها بإستمرار.. فماذا تقول ياصاحبي بعد هذه الدلالة وهذا التأكيد على معرفته بأمر الصور؟!
صمتُ، ولم أجب بكلمة، لأني كنت قد رأيت فعلاً صور الوزير الخيكاني في تقاطعات الطريق العام المؤدي الى مدينة كربلاء أكثر من مرة..
تذكرت الشهيد الخالد عبد الكريم قاسم الذي زار في إحدى جولاته الصباحية المستمرة لمناطق بغداد أحد المخابز الحكومية في الكاظمية، وحين رفع (شنگة) العجين، التي لها وزن محدد، من قبل الجهات الحكومية المسؤولة، وضعها في ميزان العجين المخصص، فوجدها أقل من الوزن المطلوب ببعض الغرامات، وحين التفت لواجهة المخبز الخارجية، رأى صورة كبيرة له، معلقة على تلك الواجهة، فألتفت الى صاحب المخبز، وقال له بإبتسامة لها ألف دلالة ومعنى:-
(وليدي، عود صغّر الصورة.. وكبُّر الشنگة)!!
ختاماً أرجو أن لا يظن البعض أني أقارن بين الإثنين في مثالي هذا، لأن المقارنة ستكون ظالمة حتماً هنا!!
مقالات اخرى للكاتب