المتتبع للكتابات المقروءة أكثر في الصحف والمواقع العربية , يتبين له وبوضوح صارخ , أن الكتابات الأكثر قراءة هي المكتوبة بأساليب ركيكة وأخطاء نحوية فظيعة , والتي تتناول موضوعات باهتة خلاصتها قال فلان وصرح علان , وتتميز بالشخصانية والفئوية والطائفية واللاوطنية , وتعزيز تمييع الهوية وقتل العروبة والدين.
وهذا يشير إلى فاجعة حضارية عربية مروّعة تسعى للمحق المطلق لكل ما هو عربي وإسلامي قويم , وتدفع لتحويل العرب إلى موجودات مذعنة تابعة , وذات قدرات لإفناء ذاتها وموضوعها وبإندفاعية هائلة , ومعتقة في أوعية الحرمان والظلم والإقصاء والتطرف المهلك المهين.
ولا يمكن للكتابات الوطنية والإنسانية أن تجد لها قراءً مهما حاول كتابها الجد والإجتهاد , والتفاعل العلمي والموضوعي مع المفردات التي تتحرك في الواقع , الذي يُراد له أن يكون مستنقعا متعفنا وتنطبق عليه قوانين المستنقع بحذافيرها.
وهذه من أهم الأسباب التي حدت بالعديد من المثقفين الوطنيين الإنسانيين العرب الشرفاء النزهاء إلى التخلي عن التواصل مع النشر , مما أسهم في زيادة العفونة والنتانة السائدة في العديد من المواقع والصحف الممولة , التي تريد أن يشعر العربي بالذل والهوان , ويستلطف دور الضحية ومناهج التوسلات والخنوع , والضلوع في الفساد والآثام والخطايا المذلة المتوافقة وإرادة الآخرين.
والمقالات الرائجة تخدم الهدف الأساسي وهو تجريد العربي من إنسانيته وهويته وعلاماته الفارقة , وتحويله إلى رقم وموجود يستهلك ولا يفكر بالإنتاج , ومنزوع القوة والقدرة على تحقيق أي شيئ جديد , وذلك بتنمية مشاعر الدونية , وحشوه بالأفكار السلبية والتصورات الإهلاكية الهادفة إلى إقناعه بأن سبب ما يعانيه هو لغته ودينه وكونه عربي , وعليه أن يتخلى عن ذلك ويكون كما يُراد له أن يكون , جاهلا بلغته وممعنا في الضياع والتشرد والغياب.
ولهذا أصبح الوعي العربي السائد في هذا الزمن التضليلي الإذلالي البهتاني ,هو المتاجرة بجوهر الوجود العربي وما يمت بصلة لقوته وعزته وكرامته , حتى صرنا نقرأ لمن يكتبون بالعربية ما لا يجرؤ على كتابته حتى أعداء الأمة والدين , فتحوّل السلوك المنكر الآثم إلى حالة مقبولة ومسوّغة ومعززة بإرادات فئوية وحزبية وإقليمة وعالمية , والناس تمضي إلى مجزرة التأريخ المعاصر بمشيئتها وتبعيتها وإذعانها , وتنفيذها لدعوات الشياطين المعممة وتجار البشر بالدين.
وصار المثقف الأصيل يأبى أن يلوث كتاباته في هذا المستنقع الآثم الرجيم , وهذا هو المطلوب , أن يبتعد المثقفون عن ساحة بناء الرأي والعقل , وترك الأجَراء والممولين ومرتزقة الأقلام بالقيام بواجباتهم المطلوبة , وفقا للمشاريع المسمومة المرسومة المبرقعة بالدين , وغيره من الماركات والأغلفة البراقة وآليات التسويق المغرية الخدّاعة.
وما دامت هذه المقالات السمجة هي الأكثر قراءة ورغبة , فأن القول بأي صيرورة ذات قيمة عربية حضارية معاصرة أشبه بمطاردة سراب , فالمجتمع هو الذي يساهم , بوعي منه أو لا وعي , في تحقيق ما يصيبه من النكبات , وتلك معادلة متوازنة لا تتبدل أبدا!!
مقالات اخرى للكاتب