غريب عالم الآثار.. عالم مليء بالسحر والغموض والإثارة، والعمل والتنقيب والكشف عن الآثار متعة ليس لها مثيل.. وفي نفس الوقت هناك كثير من الناس - وبدافع الطمع في الثراء السريع - يقعون في شراك النصابين والدجالين ممن يطلقون على أنفسهم اسم السحرة؛ ويوهمون ضحاياهم بإمكاناتهم السحرية الرهيبة - على حد زعمهم - في الكشف عن أماكن الكنوز الدفينة والآثار المخفية. واستغل النصابون الأوضاع المضطربة في مصر بعد ثورة يناير (كانون الثاني) 2011 ليعلنوا عن أنفسهم باسم حماة التراث؛ لكي يعبثوا بآثار مصر كيفما شاءوا؛ مهددين كل من يعترض طريقهم بالتشهير في وسائل الإعلام عن طريق إشاعة الأكاذيب لإرهاب كل من يقف في وجههم. نحن نعيش في عصر النصب باسم الآثار؛ حتى الإعلام انخدع في بعض هؤلاء لبعض الوقت وسرعان ما كشفهم، أو بمعنى أصح فضحهم جهلهم. هل يمكن تصور أن زعيمهم والذي علمهم النصب ذهب إلى لقاء تلفزيوني ليهاجم مشروع ترميم الهرم المدرج؛ وأمام الكاميرا وهو على الهواء مباشرة يتضح أنه لا يعرف اسم صاحب الهرم - الملك زوسر أول ملوك الأسرة الثالثة؛ وأول ملوك الدولة القديمة!! وعندما سئل عن الأسباب العلمية لهجومه على مشروع الترميم؟ لم يجد ما يقوله لأنه ببساطة يجهل ما يتحدث فيه.
المؤكد أن الأثريين قد تركوا الساحة لهؤلاء.. وقد زارني الأسبوع الماضي الدكتور عبد الفتاح الصباحي عميد معهد السياحة والفنادق بالغردقة، وطالبني بتبني فكرة وجود ائتلاف يجمع الأثريين لمواجهة الدجل والدجالين؛ وكل ما يمس الآثار من مشكلات. وقد نشرت الصحف المصرية منذ أيام خبر حادثة وجود دجال يدعي أنه كشف عن سراديب وأنفاق سرية بمنطقة «سن العجوز» أسفل منطقة هرم خوفو بهضبة الجيزة. وعندما شاهدت الصور الخاصة بهذه الحادثة، وجدت أن هناك منزلا مقاما فوق جزء من الطريق الصاعد الخاص بهرم الملك «خوفو» والذي يتخطى طوله أكثر من ألف متر، وجاء لأصحاب المنزل دجال يزعم وجود كنز أسفل منزلهم، واستطاع أن يقنعهم بالحفر ليلاً حتى وصلوا إلى عمق 7 أمتار، بعدها ظهرت أحجار أساسات الطريق الصاعد لهرم خوفو، الذي كنا قد كشفنا عن جزء منه أثناء مشروع الصرف الصحي لنزلة السمان في التسعينات من القرن الماضي. والصور تظهر الحفر والأحجار، ولا يوجد أي سراديب أو أنفاق سرية.
ومنذ أعوام قليلة جاءت مجموعة من الشباب الذي يجري وراء الثراء السريع، وبدأوا يحفرون ليلا داخل منزل أحدهم بنفس منطقة سن العجوز، وبجوار المنطقة التي حفرت فيها من قبل وعثرت على عمق 20 متراً على مقبرة من الدولة القديمة، وعثرنا بداخلها على بقايا تماثيل أوشابتي من العصر المتأخر ونقش يحمل اسم صاحب المقبرة، ولم نعثر على كنوز أو ذهب.. ورغم أننا نعمل بإمكانيات كبيرة، وقد قمنا بعمل تأمين للموقع، خوفا من انهيار الرمال داخل المقبرة، كان الوضع خطيرا.. ولذلك ما إن وصل الشباب الجاهل بفنون الحفائر العلمية إلى نفس العمق الذي وصلنا إليه، وأحسوا بحرارة شديدة داخل الحفرة، فاقترحوا على أحدهم أن يخرج لكي يحضر مروحة لتلطيف الجو! وأثناء خروجه انهالت عليهم الرمال، ويلقوا حتفهم داخل الحفرة، وظلت قوات الأمن والحماية تحاول على مدار 3 أيام انتشال جثثهم.. والأمر المؤسف إلى جانب فقدان شباب لأرواحهم أن بعض الصحف نشرت صورا لقطع مقلدة من آثار توت عنخ أمون على أساس أنها من الآثار التي اكتشفها الشباب قبل حتفهم!! هذه الصور المكذوبة تجعل حلم الكنز والثراء يداعب آخرين؛ لتستمر الحوادث ويستمر النصب باسم الآثار.
مقالات اخرى للكاتب