يعاني مجتمعنا العراقي قضايا كثيرة تتطلب الوقوف والتدقيق العميق فيها , ومن هذه القضايا التي تحتاج التمعن و الوقوف عندها طويلا , هي بروز ظاهرة “الزوجة المعلقة ” التي بدأت تطفوا على السطح .
فبعد الزيادات الحادة و المضطربة في حالات الطلاق (والتي لا توجد أحصائية رسمية توثقها بشكل دقيق نتيجة وجود حالات زواج وطلاق خارج المحكمة ” عقد مصدق من رجل دين ” ) .
حتى تحولت ظاهرة الطلاق الى أفة جديدة مضافة و مشكلة كبيرة بدأت تتبلور في المجتمع وتكون جزءاً اساسي من مشاكله .
والطلاق في اللغة مأخوذ من ((الإطلاق )) , وهو الإرسال والترك , (( تقول:- أطلقت الأسير إذا حللت قيده وأرسلته )) .
اما مفهومه في الشرع فالطلاق حل رابطة الزواج وانهاؤها, ويعني ايضاً الفراق
والإنفصال بين الزوجين وفقاً لشروط وأحكام شرعية مبنية على اساس توجيهات ديننا الاسلامي الحنيف .
والطلاق بشكل مبدئي جائز ، إلا أنه مكروه كراهة شديدة ، فقد جاء في الحديث الشريف عن الامام الصادق عليه السلام ، أن رسول االله صلى االله عليه وآله قال: «…ما من شيء أحب إلى االله عزوجل من بيت يعمر بالنكاح ، وما من شيء أبغض إلى االله عزوجل من بيت يخرب في الإسلام بالفرقة ( يعني الطلاق ) . وجاء عن الإمام الصادق عليه السلام أيضاً : (( ما من شيء مما أحلله االله أبغض إليه من الطلاق )) .
فالإسلام يهتم باستمرارية “” اصرة النكاح “” بين الزوجين والحفاظ على كيان الاُسرة .
وينبغي للزوج بوصفه القيم والمسؤول في الأسرة أن يحل المشاكل الناجمة بينه وبين زوجته بالتي هي أحسن ، وأن يسلك كل الطرق التي تحافظ على العلاقة الزوجية . وإذا استفحلت الامور ، واستعصت المشاكل على الحل الداخلي بحيث خيف من وقوع الشقاق بينهما ، ينبغي حسب التوجيه القرآني اللجوء إلى التحاكم إلى أقارب الطرفين قبل التفكير في الطلاق ، فيبعث أهل الزوج حكماً منهم ، وأهل الزوجة حكماً منهم ، لكي يتدارسا أسباب الخلاف وايجاد وسائل للحل والوئام ، وإذا توصلا إلى حل يرضي الطرفين حاولا تطبيقه ، بالطبع إذا كان الزوجان يرغبان في الإبقاء على كيان الاسرة وعدم الشقاق والتفرق بينهما .
قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم : (( وَإِ نْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بـَيْنِهِمَا فَابـْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يـُوَفِّقِ اللّهُ بـَيـْنـَهُمَا إِن اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا )) .
ورغم العوامل الكثيرة التي جعلت من حالة الطلاق تصبح ظاهره خطيرة في مجتمعنا العراقي , فانها تندرج كلها تحت خانة العوامل الاقتصادية والنفسية و البيئية للزوج والزوجة . وشملت حالات الطلاق الحالات قسرية و الاجبارية , واخرى جأت نتيجة طلب الزوجة ( ارتفعت الى 70% نتيجة عوامل اقتصادية و اجتماعية ) فتتنازل الزوجة عن الكثير من حقوقها حتى تحصل على الطلاق نتيجة وجود أذية و ضرر كبير في استمرار العلاقة الزوجية نتيجة وجود عدم الانسجام او الارتياح و المشاكل و الخلافات الزوجية .
ولكن وعلى خط موازي لزيادة حالات الطلاق كانت هناك ضاهرة أخرى وهي (( الزوجة المعلقة )) والزوجة المعلقة هي المرأة التي لا هي زوجة ( تحت مباشرة الزوج ) ولا هي مطلقة ( خرجت من عقده ومن ذمتة ) , أي يعني (( لا هى زوجة لها كامل الحقوق والواجبات ، ولا هى مطلقة تسعى إلى البحث عن زوج آخر مناسب )) ، هذا هو حال الكثير من الزوجات المعلقات، وضحايا هذه الظاهرة التي تسمى ((الطلاق الصامت )) .
فلقد قال عز من قائل , بسم الله الرحمن الرحيم ((وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ? فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا)) .ومن أقوال اهل التفسير (( فلا تميلوا كلَّ الميل “، يقول: فلا تميلوا بأهوائكم إلى من لم تملكوا محبته منهن كلَّ الميل، حتى يحملكم ذلك على أن تجوروا على صواحبها في ترك أداء الواجب لهن عليكم من حق: في القسم لهن، والنفقة عليهن، والعشرة بالمعروف , ” فتذروها كالمعلقة ” يقول: فتذروا التي هي سوى التي ملتم بأهوائكم إليها =” كالمعلقة “، يعني: كالتي لا هي ذات زوج، ولا هي أيِّمٌ )) .
نظرات المجتمع
وهذه الحالة تحصل ما بين العناد أو الرغبة فى الانتقام , أو الخوف من نظرات المجتمع أو نظرات الاهل و الآخرين ، أو هروبا من تبعات الطلاق و أجرائته القانونية و ثقله المالي و الالتزامات الاخرى مثل حضانة الاطفال .
فيعيش كثير من الأزواج تحت سقف واحد مثل الغرباء، حيث يحافظ الزوجان (( بصورة شكلية )) على العلاقة الزوجية وهذا هو المعلن أما الحقيقة فتنعدم العلاقة الوجدانية والعاطفية بينهما , وتتضح جليا عندما ينعدم الحوار والتفاهم بين الزوجين,فيلجأن للطلاق الصامت.وعلى الرغم من حرص الإسلام على حفظ كرامة المرأة وحقوقها، ودعوته لعدم إيذائها، إلا أن ظاهرة (الزوجة المعلقة) تجعلنا نعود إلى العصر الجاهلي ، ذلك العصر الذى كانت فيه المرأة لا كرامة لها , ويتركها الزوج معلقة بالشهور بل بالسنين , وهو مايتعارض مع مبدأ ديننا الاسلامي الحنيف .
سواء كان تركها في بيت أهلها أو في بيت الزوجية , من دون وجود أداء حقيقي للواجبات الزوجية و الشرعية نحوها .
أن وجود هذه الحالة من ألزوجة المعلقة , ماهي الا الجريمة ( وان كانت ليس من الصيغة القانونية). ينظر من يقوم بها , إليها بنظرة مستحبة و بفعل محبب له ، فهو يجد فى ذلك أحياناً تسلية ولذة.
وينسى أنه يرتكب جرماً عظيماً، وانه يعارض رغبة الاسلام و أوامره . أنّ فى القرآن آيات تناولت هذه القضية، ولكن القسوة جعلته لا يستشعر معانيها ولا يتدبر دلالاتها. قال تعالى : (( وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُواً وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم)).
أن الإضرار بالزوجة أو تعليقها محرم شرعاً، ونهى عنه الله سبحانه وتعالى وأرشدنا إلى الإمساك بالمعروف أو التسريح بالإحسان، وخوفاً من تفشى هذه المشكلة وتحولها إلى ظاهرة، يؤكد علماء الدين أن التعليق هدر لحق الزوجة الإنسانى إضافة إلى معاناتها فى مراجعة البنوك والدوائر الحكومية ومتابعة أولادها، فإن كل هذه الأمور لابد فيها من موافقة الزوج وهو فى هذه الحالة رافض معاند لزوجته التى علقها.
حياة زوجية
أن الله سبحانه وتعالى جعل الحياة الزوجية تقوم على المودة والرحمة لهذا يتطلب الشرع فى عقد الزواج نية التأديب لان ذلك يتلائم مع طبيعة هذا العصر لأنه يترتب علية بناء الأسرة والأولاد والروابط الاجتماعية المختلفة , لكن قدر الله سبحانه وتعالى انه بعد بدء تجربة الحياة الزوجية يكون هناك اختلاف كبير فى الطباع بين الزوجين ليؤدى إلى التنافر والسلبية فى العشرة فلا يكون الزواج سكنا ومودة بل يكون دافعا إلى القلق والاضطراب والنزاع لذلك وضع الله الحل المتدرج للخروج من هذه الأزمة وليست البدء بالطلاق مباشرة وهى الوعظ بالنصح ثم الهجر المؤقت الذى يؤثر على أصحاب الإحساس المرتفع فربما يكون اشد إيلاما من الوسائل الأخري، ثم بعد ذلك استعمال وسائل وإشعار المرأة بقدرة الرجل على قوامة المنزل فإذا ما فشلت كل هذه الوسائل نصل إلى مرحلة التحكيم بين الزوجين المختلفين .إن ما يحدث الآن فى بعض الأسر هو أن يلجأ الأطراف عند النزاع إلى المقاطعة السلبية والحياة الصامتة بين الزوجين بحجة الحفاظ على الشكل الاجتماعى أو عدم الإخلال بمصالح الأبناء كالتأثير على فرص البنات فى الزواج إذا تم الطلاق، فتقوم المرأة بأداء الواجبات الضرورية فى المنزل فى الوقت الذى تقاطع فيه الزوجة زوجها عن الكلام أو المشاورة فى أمور الحياة ويقوم الرجل بمقاطعة زوجته كأنهم غريبين يعيشان فى بيت واحد، وهذا الأمر يحرمه الإسلام، ذلك لان الزواج إنما جعل إحصانا للرجل حتى لا يقع فى المعصية واعفافا للمرأة وسدا لاحتياجاتها الطبيعية، ثم كيف تقوم أسرة على الشكل الخارجى وهى تقوم على نظام أجوف يتعارض مع طبيعة عقد الزواج ومقتضاه وهو المشاركة لتحقيق المودة والعشرة بالمعروف وسعادة الأبناء وان صح ذلك فى بعض الطوائف غير الإسلامية لأنهم يجعلون الطلاق فى أضيق الحدود، وهذا لم يأمر به الإسلام، فلابد من اقتحام المشاكل ووضع حلول جذرية للقضاء عليها ولابد من تضحيات للحفاظ على مقومات الحياة السوية وبالتالى ففكرة المقاطعة السلبية مع استمرار الحياة الزوجية من الأمور المرفوضة شرعا وتفتح الباب لحبائل الشيطان لدفع الزوجين إلى المعصية أو إقامة علاقات غير سوية مع آخرين وسد الذريعة من المصادر الهامة فى التشريع الإسلامى التى تأمر بقطع الطريق على الخطأ حتى لا نقع فيه .أن امتناع الزوج عن تطليق زوجته عند استحالة العشرة، تحت دعوى الحفاظ على المظهر الاجتماعى مخالف لنصوص الشريعة الإسلامية ويجب على هؤلاء أن يصححوا هذا الخطأ الذى وقعوا فيه وان يتداركوا ما فات من عمرهم دون ان يعيشوا الحياة الطبيعية بين الأزواج لان المولى تبارك وتعالى قال (قال الله تعالى ( وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ، ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا ، ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ، ولا تتخذوا آيات الله هزواً ، واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به ، واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم). ولقد نص القرآن صراحة على مصطلح الزوجة المعلقة فقال عز من قائل: (( وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً )) .
لذا فقد جاءت الشريعة الغراء بتحريم مسألة تعليق المرأة، ووضعت مبدأ : إن لم يكن وفاق فطلاق , قال تعالي: (( الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ )) .و لكى تحل هذه المشكلة لا بد من التدخل الايجابى من الأهل وأن لا يقفوا موقفا سلبيا من خلافات الزوجين كما نرى الآن .بل يحملوه حملا على عدم تركها هكذا , فقد قال تعالي:« وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً. سورة النساء، الآية35. فعلى الحكمين أن يعيداهما ويصلحا بينهما (( مع وجود الرغبة بينهما )) , فإذا لم تكن هناك رغبة بينهما أو أحدهما، فالفراق خير لهما، وذلك بإحسان، دون مشاكل أو الوقوع فى الحرام، فالفراق خير من الشقاق والخلاف، ولهذا قال الله سبحانه وتعالى : (( وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعاً حكيماً )) .
مقالات اخرى للكاتب