يجمع العلماء السلوكيون وخاصة في مجال علم الانسان على أهمية الثقافة ودورها البارز في تكوين وتشكيل شخصية المنظمة وقيمها ودوافعها وميول الافراد العاملين فيها واتجاهاتهم ، فهي تشكل اطارا لأنماط السلوك المختلفة التي تميز المنظمة عن المنظمات الاخرى ، وذلك مااطلق عليه في الادب الاداري “الثقافة التنظيمية” والذي يشير الى وجود نظام من القيم والمعاني المشتركة التي يشترك بها جميع العاملين في المنظمة وفي ضوء هذا النظام يتحدد سلوك المنظمة وهويتها المميزة ، ويستدل من خلالها على خصوصيتها ازاء المنظمات الاخرى ،حتى لو كانت تلك المنظمات تعمل في نفس المجال وتنتج منتجات او تقدم خدمات مماثلة, لقد كان للتحول الفكري والفلسفي في مفاهيم الحريات الانسانية والليبرالية الجديدة تأثير كبير على الاتجاه القيمي والسلوكي الذي تعمل بموجبه المنظمات بفعل الدعوات المتزايدة الى تعزيز قيم الشفافية والمشاركة والعدل والمساواة في النشاط العام والتي انعكست بشكل او بآخر على ثقافة المنظمات عموماً التي بدأت تواجه عدداً من المشاكل المرتبطة بالجانب الاخلاقي والسلوكي, فبدأت تظهر العديد من التساؤلات التي تدور حول ماهية القيم الثقافية المؤثرة على اداء وفاعلية المنظمة العامة؟ وما هي درجة وعي وإدراك الإدارات العليا في تلك المنظمات لهذه القيم واهميتها في إحداث التغيير؟ وما هي الاستعدادات المتخذة من قبل تلك الادارات لتبني وتكييف هذه القيم الثقافية الجديدة بما يتناسب مع متطلبات المرحلة الجديدة التي تعيـــــشها منظماتها؟ وهل ستتمكن المنظمة في حال تبنيها لهذه القيم من تحقيق وبنـــاء منظمة عامة فاعلة؟
ويمكن القول ان مصطلح التنظيم يستعمل على نحو عام للدلاله على التنظيم بوصفه ممارسة تحقق التنسيق بين جهود عدد من الافراد في اطار سلسلة من الفعاليات والانشطة وصولا الى هدف معين ، كما يستخدم للدلالة على ما ينجم عن هذا التـــــــنسيق من تجمع انساني ياخذ شكل جماعة بشرية متعاونة ضمن بنية منظمه ،لأن البنية الاجتماعية للمنظمة كما يشير حسن ، 19:,1989 لاتتحقق الابممارسة الفعل التنظيمي القائم على التنسيق بين اجزاء المنــــظمة لجعلها تتـــفاعل في مجهوداتها وفعالياتها وفق صيغ حيوية عضوية .
أن المنظمة تمثل ( الاطار العملي للمزاوجة بين كل من الجوانب العضوية ،البنائية ،والوظيفية للتنظيم)، اي بين المنظمة Organization بوصفها عملية تضم في أطارها عدد من الفعاليات التي تشكل أبعاد المحتوى المنظمي المعبر عنه بالبنية المنظمية، وبين كونها نشاط يقوم على تنسيق وتوزيع الأدوار والمسؤوليات وتعتبر هنا احد أبعاد المحتوى المنظمي ذات التأثير في مجمل ما تواجهه او تقوم به المنظمة داخل المجتمع الذي تتواجد فيه .
وقد شهدت المنظمات تغيراً ملحوظاً في منطقها الفكري الذي تعمل بموجبه حيث يشير Baker & Branch,2001:10, الى ان الدراسات المتطورة للادارة والتنظيم اظهرت التغيرات الاساسية التي شهدها منطق المنظمة على مر الوقت , فالمنطق التنظيمي الأولي أسس على الأنموذج العقلاني المغلق closed-rational perspective لاحقاً أسس المنطق المنظمي على النموذج الطبيعي المفتوح natural-open perspective اما المنطق الجديد الذي ظهر حديثاً فيؤكد التوجه البيئي السريع agile environment-oriented والنظام الشبكي network system
يعتبر مفهوم الثقافة التنظيمية مفهوماً مجازياً لأنه يتصل أصلاً بالأفراد والمجتمعات ، وهو يشير إلى القيم السائدة في المنظمة وتأثيرها على العملية الإدارية والسلوك التنظيمي للعاملين داخل المنظمة ، وبشكل أكثر تحديداً يعبر المفهوم عن مجموعة الخصائص البيئية الداخلية للعمل ، فالثقافة التنظيمية عنصر أساس موجود جنباً إلى جنب مع مكونات التنظيم الأخرى من الأفراد والاهداف ،والتكنولوجيا والهياكل التنظيمية .
دور الثقافة التنظيمية في بناء منظمة فاعلة
ما دور الثقافة التنظيمية في بناء منظمة عامة فاعلة ؟
للإجابة على هذا التساؤل والمتضمن حقيقة وجود دور مؤثر للثقافة التنظيمية ، وتأثير ايجابية هذا الترابط في زيادة فاعلية المنظمة ، في هذا الاتجاه اكدت (اللجنة الاقتصادية للحاكمية الجيدة في الخدمات العامة,2004:4-30 ان مفهوم االثقافة التنظيمية الجيدة في المنظمة العامة يعني الآتي:-
1- التركيز على غرض المنظمة وعلى المخرجات المقدمة للمواطنين ومستخدمي الخدمة .
2- الانجاز الفاعل من خلال التحديد الواضح للادوار والوظائف .
3- تعزيز القيم الايجابية عبر كل اجزاء المنظمة واظهار قيم الحاكمية الجيدة في السلوكيات والتصرفات المطبقة .
4- اتخاذ القرارات الاساسية بشكل شفاف والعمل على ادارة المخاطر .
5- تطوير مقدرة وكفايات الادارات العليا .
6- اشراك جميع اصحاب المصلحة وخلق مساءلة حقيقية .
7- التحسين المستمر لجميع العمليات التشغيلية والفعاليات التنظيمية.
8- تنمية وتحسين مهارات وقابليات العاملين
kravelz,1988أثنى على النتائج المبكرة لـ kanters من خلال بيانه ان تطبيقات الادارة المعززة للمشاركة ،الاستـــــــــقلالية،الابتكارية، الشفافية،كانت اكثر ارتباطاً بالعناصر المنظمية وبما يؤدي الى تحســـين المؤشرات الموضوعية لبناء منظمة فاعلة , (Hansen&wernerfelt:1989) أظهرا ارتباط عناصر ومكونات التنظيم الداخلي وبيئة السوق بالثقافة المعتمدة , وتأثير نتيجة هذا الارتباط على فاعلية المنظمة، ( MRMC,2010:3اشارت الى ان فاعلية العناصر الداخلية للمنظمة تتأثر بتطبيقات وممارسات الثقافة القائمة من جهة وتؤثر على فاعلية المنظمة ككل من جهة أخرى ، وحيث ان الثقافة التنظيمية تنعكس على كل من تطبيقات القيادة – شكل او تصميم التنظيم القائم – -المقدرات والمهارات البشرية المتوفرة -عمليات الانجاز -وبرامج التحسين المستمر فان ذلك يؤثر بالنتيجة على الأداء المنظمي للمنظمة الذي بموجبه تقاس مدى فاعليتها وتفوقها وهذا مايتفق مع النموذج الذي قدمه Sche midt,elal,2010:1 حيث بين في نموذجه ان خلق منظمة فاعلة يتطلب توافر أبعاد وعناصر منظمية تتســــــــم بالفاعلية والكفاءة تكون ذات علاقة وتأثير متبادل احدها مع الآخر تشكل الثقافة أحد تلك الأبعاد الرئيسة المساهمة في بناء وتعزيز المنظمة الفاعلة .
مقالات اخرى للكاتب